سالمة ومنير (الرسالة الأولى) / ضياء البوسالمي

| ضياء البوسالمي |

  |Émile Thibault dos à dos Peinture (30×40 cm)|

تمهيد: سالمة ومنير قصة حب في بلاد الطررني* في القرن الحادي في العشرين لكنها بمقاييس القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. كافكا وحبيبته ميلينا، هايدغر وحنا آرندت وجبران وماري.. هذه القائمة سنضيف لها العاشقين التونسيين. الكاتب، لن يعطي أي معلومة عن طرفي هذه العلاقة سيترك فرصة اكتشافهما للقارئ الذي سيتتبع القصة بتفاصيلها عبر ما سيأتي في الرسائل (التي لا نعرف عددها).

ملاحظة مهمة: في الرسائل حب تونسي. أولئك الذين تعودوا على العفة، الحياء والعلاقات الأفلاطونية البائسة، أخبرهم أنهم حتما سيجدون ضالتهم إلى حين.. لأن الفحش سيطغى من الجانبين وحديث النيك ذو شجون فلا تغرنكم البدايات الهادئة.

الجمعة 14 جويلية 2017

عزيزتي سالمة،
لن أسأل عن أحوالك أو كيف تقضين يومك. فأنا، كما تعلمين، أناني. لأول مرة، منذ زمن طويل، تختلط الأمور في ذهني وأراني جاثيا على ركبتي كقسيس يطلب الخلاص. أجلد نفسي مئات المرات لأنتزع منها الإعتراف وأحاول النبش في في ركام أفكار عن سر التشبث بك. أنا، ذلك الأناني العنيد، تزداد أنانيتي يوما بعد يوم منذ فراقك، تتعاظم لتحشرني في زاوية خانقة. اهتمامي بذاتي لا يعدو أن يكون برهان حب وهيام. هاهاها! أعلم ما تفكرين فيه الآن، تقولين:”ها قد بدأ هذا الأحمق في هذيانه”
منذ الفراق، انقطعت عن العالم الافتراضي. بالمناسبة، غريب أمرنا نحن من ندعي الحداثة والتطور والرقي، نعيش في عصر السرعة، ندعي أن كل شيء أسهل والحال أننا مجرد عبيد. صار عالمنا مقسما.. عالمان: افتراضي للمحادثات والمواعيد وواقعي للعمل والتذمر وقتل الوقت بالتفاهات. أنا، بعد رحيلك، طلقت العالمين وخيرت أن أكتب لك بطريقة كلاسيكية. ربما هو جبن أو ببساطة قد أكون ساديا أتلذذ بتعذيب نفسي. فالكتابة على الورق، كما تعلمين، تتطلب جرأة ورباطة جأش. وتلك اللحظة التي نتوقف فيها لانتقاء الكلمة وذلك الحيز من الحرية، وان كان ضيقا، لا يمكن أن ننعم به في الافتراضي.

عزيزتي سالمة،
هل أرغب في رؤيتك؟ لا أعلم ربما.. وربما لا!
أريد أن اختبر مشاعر العشق كما خبره القدماء. فأنا مقتنع تماما أن هذا الشعور لا ينتاب المرء إلا مرة واحدة في الحياة.. أقصد الحب.
الآن، أتذكر بيتا من الشعر لأنني الحاج. هكذا دون مقدمات، يغتصب مخيلتي ويقطع حبل أفكاري. هذا البيت اللعين الذي لا أقدر على خطه على الورقة لأنني لا أحفظه كما هو بل إن لحنه يرن في أذني. تذكرت اللحن وغابت عني الكلمات. لحظات بيضاء وكأن الوقت متوقف، تماما كما كنت أراقبك وانت تنثرين مئات الكلمات، تقلبين طرفا حائرا ثم تندفع الحروف من شفتيك نضرة طازجة. اللعنة! ها قد عدت إلى الرومنسية المملة ومحاولات تصويرك بالكلمات. انسي الأمر..
أنا أكتب هذه الرسالة للتخلص منك يا سالمة. اشتقت تفاصيلك ولكنني لست متأكدا إذا ما كنت أرغب في اللقاء. يبدو أنني كما قلت مريض. أتذكرين؟ tu n’es qu’un malade **

حتى الكتابة، التي لطالما التجأت إليها لنسيان العالم الخارجي أصبحت مضيعة للوقت وحلا غير مجد. كتبتك لأنساك لأنني تعودت القاء كل الأثقال على الورق، تعودت انتزاع الأشخاص من ذاكرتي واغراقهم بالحبر.

عزيزتي سالمة،
من انت؟ ملعقة من العسل؟ ضحكة رضيع تعبق  برائحة الحياة؟ شعاع القمر؟ دفق من الأوكسجين لحظة الانتشاء؟ صراخ مغني أوبرا في الخلاء؟ عزف على النجيفي ليلة شتاء؟ قطرة ماء بعد العطش؟ صمت في حفلة صاخبة؟ نظرة بعد طول غياب؟ سكينة راهب بوذي؟ رائحة عطر الياسمين؟
ماذا يعني je est un autre***.   هراء. الأنا هي الأنا ولا شيء غيرها وتلك هي المعضلة. شيء لامرئي، كأنك ألقيت تعويذة أو لعنة من السماء. لا أعرف كيف أصف شعوري ولا كيف أسميه،  احساس يجعلني أراك كما لا يراك الآخرون، بل ربما أبعد ما يكون عن واقع الأشياء.

عزيزتي سالمة،
في الليل، يحدث أن أتذكرك، تقتحم صورتك مخيلتي فينتصب زبي وأتخيلك أمامي عارية لكنني لا أجرأ على الاقتراب. بي رغبة جامحة للنيك ولكن أمرا ما يمنعني.. أنا ضحية الشهوة التي لا تكتمل ابدا وتنخر عظامي.

عزيزتي سالمة،
سأتظاهر بأنني لن أكتب لك بعد الآن ولكن أخبرك، مسبقا، أنني لن أفي بوعدي فانتظري رسائلي القادمة وانا سأمني النفس برد منك.

*كلمة تونسية تعني البلاد التي لا يتمتع فيها الفرد بحريته

**انت مريض (هنا تشتمه وتخبره بأنه مريض نفسي)

***الأنا هو الآخر، وهي في الأصل مقولة للشاعر الفرنسي آرثر رامبو