بدأُت بالتعفّن/ حمزة الغرايري
| حمزة الغرايري |
| اللوحة – وليد نظامي- سوريا- 2017|
عِندما تَبدأُ بالتّعفّن .. حتّى مَشاعِركَ تُصبحُ سوائل خضْراء ذاتَ لُزوجةٍ تتدفّقُ بيْن سَواقِي أيْديهِمْ ..حتّى النّصوصُ تَصْفرُّ… أتذكّرُ كيْفَ كَتبتُها جمِيعًا مَع أذانِ الفجْر عِندمَا تَسْتفيقُ أمّي للصّلاة و يَذْهبُ أبي إلى المسجد.. و أَذهَبُ أنا لعِبادةِ مَشاعِري فِي محْرَابِ المتَاهات في الغرفة .. الغرفة التي يتخبّط الأمَلُ في جُدرانِها و يُحاولُ الخُروجَ لِمَسكِي و انا في وَسَطهِمْ.. لكنّه لا يسْتطيعْ …فقَد أقْفلْتُ الأبْوابَ جيّدًا… و النّوافذَ كذلك.. رَبَطتْهم بِحبالِ مَخَاوِفِي .. فلا شيءَ يُمكنُ أن يَتجاوزَ مَخاوفِي….حلِمتُ قبْل الخُروجِ بِطائرٍ فِينِيقيٍّ لم يستَطعْ النّهوضَ مِن رَمَادهِ مُجدّدا .. و بحِصان طَائِر لم يحْملْ الأطفاَل إلي عالَمهِم السّحري فَوق السّطح و تحْت السّرير مثْل العادة .. هَل تعلم ماَ هو السّحري بالنّسبة لِي؟ أن أفْتح كلّ الكتُب التي خُلقتْ منذ زمَن آدم بكلّ اللّغات حَتى مَا لا أُتْقِنُه منْها..وأبْدأ في البَحثِ عَن كَلمةٍ تخْتزلُ هذا الشّيء القَابُع داخِلِي.. اللا ّمَفْهوم .. لأحَوّله لشيءٍ آخرَ يخْتزلُ كلّ شيء… يتلوّى فِي كلّ أَشْيائِي.. أحوّله الى آخر مَنطوقْ.. ربّما السّحريُّ كذلك أنْ أَقتُلَ جميع الذّكريات ..فَأنا أحْمل الكَثيرَ منْها .. أكثرَ مِن شيخِ الحيّ .. فلِي شيْخٌ أيضًا يـَسكُننِي .. يَتسكّعُ يوميّا عِندما يَطرُده أَبناءه من مَنزلِه البسِيطْ على حافّة النّهر.. يتذّكر كُل الكَلماتِ التّى قِيلتْ خلَفَ الجُدْرانْ .. كلّ شَجرةٍ جَلسْتُ تحْتهَا لآخُذَ أنْفَاسِي لإكْمالِ المَسيرة .. كلّ المَنازِل التي طَرَقْتهَا ليلًا لآخُذ دواءً يُخفّض حَرارَةً انتابتني مِن شِدّة التّفكير .. يتّذكر موْعد جَميعِ النّساء فِي الخُروج و العَودَة .. لا أَسْتغربُ إِن كَان يُدركُ موْعِد عاداتهم الشّهريّة أيضا..وَمضْمُون شِجاراتِهمْ معَ أزْواجهم ..فكَيف تُرِيدهُ أن ينْسى ما حصَل لِي طِيلَة العِشْرين سنةً التى مضتْ.. و يجْعلُ جلْسَاتي مَعه غَيْر قَاتِمة .. فهو يتذّكر عَددَ أوْرَاقِ النّباتاتِ المُقْتَلعَة من أَصيصِ الأمَانِي .. و عَدد الشّعراتِ النّازلة مِن رأْسِي عنْدما أسْتحمّ لأَنْزع آثَار الكآبَة .. يتذّكر كُل شَخصٍ عاَبرٍ حاوَل أن يَتّكئَ على كَتفي لكنّهم سَقَطُوا في هُوّة الزّمَان المُفجّجة بيْن ضُلوعِي ..كَم اكْره عِنَاقَكمْ وإتّكَائكُم. ..ليْس بَغضًا للعِناقِ في حدّ ذاتِه ..بلْ كُرهًا لرَائحَة عِطْركُمْ عندمَا تَعلقُ فِي ملَابِسِي طُول الطّريقْ وأبْقى أشْتُمُها وأتذّكر كل شخْص لم أسْتطعْ عِناقَه طُول حَياتِي .. رُغمَ رَغبَتِي في حُصولِي عَلى امتياز حَمل عَبقِ رَائحَته .. طبعا سأعوّضُ هذهِ الرّغبة المُلحّة بعنَاقِ الأشْجار والأرْصُفِة المُعوجّة.. وبعد تقبيلهم ربّما أمرّ بِمبخرة مُقدّسة أذوبُ في بَياضِ دُخّانِها و تأخُذنِي الرّيح بكِلتَا يديْها الى جُحر اللاّموجود ..جحْر العَدمْ