لماذا تركتني وحيدة يا إيما؟/صهيب أيوب

| صهيب أيوب|

|two prostitutes by cellar|

ما الذي جعل هذا النهار حزيناً؟

ربما معرفتها المسبقة بموت إيما. ستعتقد أنها ذاهبة للنهر. وهناك حيث لا أحد سيعرف ماذا رمت في الماء ستمد سوزانا بورون جسمها للسماء. تسحبها. تجعل الغيم يغرق المدينة كلها. الاطفال ذوي الأرجل القصيرة والمتسخة والنسوة المهووسات بالتدخين. ستطوف مرايا الغرف ليرى الله نفسه فيها. اي ذنب اقترفه وكم من الآلام سببها في شارع فولتا التحتاني.

ستغفو سوزانا وبين يديها قماشة. مربوطة بحبل. كل من رآها من بعيد ظن أنها مجرد زائرة آتية من البلاد الباردة. تحمل هدية ثمينة تخاف ضياعها. كانت يدا سوزانا كزتين. تمسكان باللفافة المزركشة بخوف. لم يبدده الهواء المنعش الذي مر خفيفاً من تحت ابطيها. كما لم يبدد شعورها حينذاك أنها جعلت الارض كلها تسقط كرماد تبغ. لا ينتبه اليه احد.

كانت الشمس تتوسط النقطة الفاصلة بين بون نوف وبون سان بيار. وشبان بثياب رياضية يتصهصون بأصوات عالية ويتعاركون بالأيدي ويضحكون من أحد العجائز. كان الماء بين الجسرين بديعاً. يرسم صوراً مائلة للأبنية الزهرية المحيطة والاشجار العالية الرابضة بألفة على ضفتي النهر.

كل هذا لم ينقذ سماء سوزانا من الهبوط ببطء مبللة زرقة الماء الشديدة بلون الحزن.

بالت سوزانا في فستانها. كالمرة الأولى حين أخذوها الى باربينيون في قطار الساعة السابعة صباحاً ونست أمها أن تسدل بنطالها الجينز. شخت في الفستان تتذكر يد إيما. لماذا لم تترك لي رسالة؟

القماش بستان. وعلينا أن نتمرغ فيه. نلهو بالذكريات. أي ذكريات يا سوزانا؟ تسأل.

الاسئلة مفاتيح الرأس.

كان عليّ ان أنام قليلاً قبل أن آتي الى هنا.

جالت بناظريها على الضفة المقابلة.

كيف يفرح الناس كل الوقت ويطلقون الضحكات بلا خجل. لماذا لا ينسون أن المرارة لا نتركها في البيت وحين نخرج نصطحبها كعلب الحلوى. تسيح كالشوكولاطة بسبب حرارة الشمس. اما خيباتنا فتسيل بسبب البرد.

الناس باردون في هذه المدينة يا إيما. لماذا تركتِ  أصابع يدك معلقة على مناشر الغسيل ولم ترتدي فساتين الرقة التي تعيش في الوقت الآخر الذي لم نعشه.

كيف يمكن للناس أن تستمر؟

الأسئلة بيوت لها أسرارها. تقول سوزانا قبل ان تهم في اشعال سيجارة مالبورو حمراء. مستمتعة برائحة البول تختلط بالعشب الاخضر الذي جلست عليه. تخرج أليفة كما كانت في الايام الخوالي. تذكرين حين شخيتي في فمي يا ايما؟ دخل بولك خفيفاً وشعرت اني اشرب العسل. كان بولاً ينز رغبة. مليء برائحة كسك. الكس الذي لم أذق مثله في حياتي كلها. شفرتيه المليئتين بالشعر ولزوجة مائه.

ماء النهر يتلألأ من كس إيما. الهذا نست سوزانا ان تغلق السماء فنزلت كلها الى النهر. نامت الغيوم في النهر. اهذا ما تريدينه يا ايما؟

 الناس تملك أفواهاً شرهة. اما أنت فلا تأكلين. تقولين حين كنت تنزلين الى كسي لتأكليه، انك تريدين وجبة دسمة كهذا. كان كسي وجبة طازجة كل ليلة وكل صباح وكل ظهيرة للوحش الذي فيك. تأكلين ولا تشبعين. تعضينه. كان كسي ضيقاً مليء بالبثور البنية. وجلدته طرية كجلد الطفل. اهذا ما احببته يا ايما؟

لماذا تركتني وحيدة يا إيما؟

الاسئلة دوار ثقيل.

كان صياد سمك يعبر النهر. أعجبه رؤية فتاة عشرينية بفستان قصير مزهر. “فينتيج”. فساتين لم يعد لها وجود. اندثرت. تباع في محلات “الساكند هاند”.

الشمس تميل الى ضفة النهر الثانية. وسوزانا تمد يدها لإيما.

لماذا لا تأخذيني معك؟

الاسئلة نقاط سوداء تمر في العشب. ويد إيما متمهلة كقبلاتها.