بقايا أسد..بقايا بلد / ياسر السعدي

| ياسر السعدي |

رغم الرحيلِ بعيداً جداً عن أرضِ عرشه التي تراوح زمن مكوثهِ إلهاً مُطلقاً فوقها كما يعلمُ الجميع ,بين عشر سنينٍ من السلام المشروطِ بالصّمت التي تبعتها سبعُ سنينٍ من الحرب المشروطةِ بالجوعِ و الموتِ و الصّمتِ و النّفيّ كما يرى الجميعُ أيضاً .

إلا أنهُ فاجئني منذُ مدةٍ , فقد سرق دور بطولةِ الكوابيسِ من أبيّ الميت دون منازع ,استبدل بقاياهُ الرّثةَ ببدلتهِ الأنيقة عنوةً .

حتى أن السّفاح الطويل ذو البدلةِ الأنيقةِ قبل ليلتين استدعى جُثّة أبيهِ المُخيفَ ذو الجبينِ العالي نفسهُ ليقصّ شعري بين جموعٍ من مُصلّين كانوا يؤدون صلاة العيدِ في إحدى الثكناتِ العسكرية .

كان واحداً من أسرع الكوابيس و أثقلها الذي يهرعُ بعدهُ المتفرجُ لشُّرب ثلاثةِ كؤوسٍ من الماءِ البارد .

في إحدى زياراتهِ قبل شهرين ,كنت أجلسُ داخل الغرفةِ التي أرسلتِ ليّ أميّ صور ركامها في منزلنا القديم قبل أسابيع ,فجأةً قُرع الجرسُ كما تقرعُ الكنائسُ أجراسها في ألمانيّا .

نظرتُ إلى الأسفلِ من النافذةِ المكسورةِ البلّورِ لأجد أن الطارق الأنيق قد اصطحب أسداً فاحش الحجم و كلاهما ينتظرانيّ لأخذهما في جولةٍ قصيرةٍ بين المباني المُدّمرةِ خارجاً .

هناك ملاكٌ ما لم أرّهُ هو من أمرّني بالمثول أسفل الدرج و بتنفيذِ المهمةِ المذكورةِ بابتسامة عريضة .

مشينا ثلاثتنا مُبتسمين ,أسدُ الأسدِ الأنيق ,كأيّ كلبٍ عادي بدأ يبحثُ عن أنواعِ الرّوائحِ بين أشلاءِ الحجرِ و اللحم ,ابتعد عنّا قليلاً ,عندها بدت رقبةُ الأسدِ الأنيق واضحةً تماماً لأهجم عليها دون رحمةِ أو هوادة .

ملّاكُ الخوف عاد ليصهل في إذني “اصابعك ليست مُلكك “!

أدركت ذلك بسهولة ,لم أستطع تحريكها ,رغم كل إمكانياتِ الحُلم إلا أن اصابعيّ اعتادت أن تقول” نعم “في كل الانتخاباتِ الرّئاسيّة ,ذاكرتها أقوى من نقمتيّ الطّفوليّة .

زوجتهُ في إحدى المرات كانت جزءاً من مجموعةِ نساءٍ يشربن قهوتهن الصباحيّة معاً ,استرسلت حينها الزّوجةُ الأنيقةُ في الحديثِ عن بطولات فحلها و قضيبهِ الأطولِ بين رجالِ العالمين كرقبتهِ و رقبتها هي الأخرى و أنهُ قادرٌ كالنبيّ مُحمد على إتيان الكثيرِ من النساء معاً دُفعةً واحدة ,فكلاهما لم يعرّفا طعم الفياجرا الزرقاء أبداً كما أضافت عندما بدأت حلقةُ القُبيسياتِ أكثر ساحراتِ الأرضِ نفاقاً و حورياتِ العطاءِ المُتيّماتِ بِشُقرةِ العسكر الرّوسِ و لحى فدائيين حزب الله حولها بالضّحكِ معاً على ما قالته .

سألتني بعد هدوء الضّحكِ الجماعيّ المُفزّع,

“متى تريدُ العودةَ إلى منزلك يا صغيريّ ؟”

يبدو أن أميّ استودعتني بينهن في تلك اللّيلةِ القبيحة .

ذلك جعلني أتساءلُ عن ما دفع فرويد يوماً لاختلاق خُرافةِ حسد القضيب التي تسعى أفلام البورنو إلى تأكيدها عبر الأفارقةِ الذين ما زالت أجسادهم تُثيرُ غرابةَ الكثير من مخرجيّ البورنو و تستهوي نقود من يشترون أو يكتفوّن بالإستمناء قُبالتها حسداً كأي امرأة ذاتِ مؤخرةٍ هزيلةٍ أو ثديين صغيرين أو حتى خدودٍ مهزومةٍ بفعل الضوء أن تشتهي السيلكون ليملأ جسدها عبر فتحاتِ الإبر المعدنية ذات الخصيةِ البلاستيكية .

صليتُ معهُ في إحدى المرات داخل مسجدٍ لم أرهُ يوماً ,كان البغدادي هو خطيبُ يوم الجمعة , كنت خائفاً دون همس ملّاكِ الخوفِ حينها ,

ماذا أفعلُ هنا في الموصلِ بعيداً عن دمشق ؟ بعيداً عن ألمانيا ؟!

)حسّون( مُفتيّ البلاط الجمهوري كان على جانبي الأيسر لا يتوقف عن الابتسام في وجهِ الأسدِ الأنيقِ على يميني ,كان يسجدُ مُبتسماً بِعُنقٍ ملوي و هو ينظرُ إلى قُرّةِ عينهِ الذي كان يملكُ وجهاً مُتجهماً كوجهِ أبيهِ حينما بدأ البغدادي الدّعاء المعتاد فوق أخشاب المنبر الذي تبتغي كلماتهُ ,الطلبَ من الأب السماوي بإدامةِ ظلّ الأبِ الأرضي فوق عبيدهما .

رقبةُ الأسد الأنيق بدّت واضحةً مُجددة عندما بدأ بالسّجود , بعد قليلٍ أعطى البغدادي إحدى قملاتِ لحيّتهِ الثخينةِ لحسّون إلا أن الأخير أبى إلا أن يُعطيها لِقُرّةِ عينه .

و كما جرت عادةُ مشيئةِ الله فوق الأرض ,حدث الأمرُ في الحلمِ الواقعِ بين السماءِ و الأرض ,كان هناك مجموعةٌ من شيوخِ الكنائسِ في تلك الصلاة ,سارع جميعهم لِمُصافحةِ الأسد الأنيقِ بعد أن وضع قملةَ البغدادي في جيبِ بدلّتهِ الأنيقة العلّوي الأقرب إلى قلبه .

)نصر الله( لم يكن هناك من حسن الحظ و كما أن الخامنئي كان مشغولاً بصلاةِ جُمعة أخرى ليلتها ,أظنّ أن ملك السعوديةِ و نجّهُ ,اردوغان و نتنياهو كانوا روّادها ,

آه من الجيّد أنيّ لم أرى أصدقاء العائلةِ مُجتمعين ,من الجيّد أنني لم أكن في أحد مساجد طهران و الجميع حولي يهتفون بالموت رغم موتهم أحيّاء .

استيقظتُ اليوم لأن إحدى ملائكةِ الذبابِ و لحسن حظيّ أصرّت على أن أفتح عيني عائداً لسريري مُداعباً لكفِّ يدي المفتوح فاليوم صافحني الأسدُ الأنيق أخيراً !

كانت يده كالنّار ,لم أعلّم أن الآلهة المقدّسة تملكُ أكُفّاً حارقةً هكذا .

كنت أسيرُ في أحد شوارعِ موسكو التي لا أعرف منها إلا الساحة الحمراء التي تحضرُ في كل الأفلامِ الوثائقيّةِ عن الحروب الساخنةِ والحرب الباردة ,هي ليست شارعاً على الأقلّ , ثم رأيت فجأةً نافذةً شاسعةً تمتّدُ كلما مشيتُ أكثر داخلها مائدةٌ عظيمةٌ يترأسها الأنيقُ القصيرُ ذو العينيّنِ الزرقاوتين ,بجانبهِ كان أسدنا الأبدي الأنيق يجلس مُداعباً ربطة عُنقهِ بيدٍ وبأخرى يُمسّدُ رُكبة القصيرِ )بوتين( .

بدأت تنتابنّي حينها سكراتُ القيءِ و الخوفِ الشّديدين ,

ما الذي يفعلهُ الاثنين معاً أمام هذا الجمعِ المحتشدِ حول المائدة ؟

يحاولانِ تقلّيد ماكرون و ترامب في غزلهما غير آبهين بالجموع ؟

تحرك الأسدُ الأنيقُ تجاهي ربما ليُهدأ من روعي ,نظر إليّ حتى أرجف ,ثم بادرني بالمُصافحةِ و هزّ ذراعي حتى وصلت الذُّبابةُ بطن كفيّ أخيراً .

ما الذي يُمكن فعلهُ لتجنّب فرويد وعائلةِ الأسد و أصدقاء عائلتهم المقرّبين ؟

لا ترّحل عن عرشك أيها الأنيق ,ارحل عن كوابيسي فقط ,أريدُ استعادة أبي الميت الذي كان يعملُ في جلّي الصّحون و شطف أرضياتِ فندقِ الشّامِ بدمشق ذلك أفضلُ من مُصافحةِ أحد المُقدّسين في موسكو..