زبّور* واحد لا يكفي / ضياء بوسالمي

| ضياء بوسالمي |

 

“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ..”

(سورة البقرة، الآية 223)

 

 

عبد الستار صاحب محلّ لبيع المواد الغذائية والسجائر المهرّبة. بعد الثورة، احتلّ الرصيف وبنى فوقه كوخاً لكي يسترزق منه على حدّ قوله. كان ستار مُقعداً يتنقّل بواسطة دراجة حمراء غريبة، يتقوقع داخلها كحلزون ويشرع في دفعها من خلال مقود قريب من يديه الخشنتين. وكلّما مرّ بتلك الآلة العجيبة أصدر ضجيجا وصخبا يغطي على أصوات المحركات التي لا تنقطع عن الشارع الرئيسيّ. وقد عُرف ستار بسلاطة لسانه وحبّه للمال. يشتم الدولة بسبب وبدون سبب ويذمّ العمال الذين ساعدوه مجانا على بناء البرّاكة** لأنّهم لم يتبرعوا بتكاليف طلائها.

لقد عوّض اعاقته وعجزه عن المشي بكثرة الكلام وكأنّها وسيلة ليتناسى تلك العاهة التي خلفها الزمن ولا يعرف أحد الى اليوم سببها حتى باتت لغزاً تتناقله الألسن وتُنسَجُ حوله مئات القصص والحكايات. كان يقضي يومه امام المحلّ، يتحلّق حوله مجموعة من المراهقين فينتشي وتتفجّر قريحته بحكايات وحكم عن النّيك ويعرض أمامهم غزواته الجنسيّة كما يحلو له أن يسميها.. يسترسل في الحديث فينكمش وجهه الدميم كحبّة تين جافّة وتظهر نتوءات في جبينه تبدو في تناسق غريب مع ذلك الأنف الأفطس الذي يتوسّط رأسا مكوّرة تناثرت فوقها شعيرات على مستوى الأذنين..

يشرع ستار في القاء خطبته اليوميّة، يستجمع قواه ويغرقهم بسيل من الحكايات: “الزّبور، يا أولادي، جوهر الكون. الرب حلّل أربع نساء، لماذا حسب رأيكم؟ لأنّ الرجل لا يشبع من هذه الفاكهة المقدّسة.” هكذا يستهلّ نصائحه رافعا يده الى السماء كأنّه يطلب مددا من كائنات لا تُرى.

“العمل الدؤوب هو لبّ الموضوع وسبيل الانتشاء. الفرج بئر عميقة لا نهاية لها، كلّما غاص فيه الزبّ اتّسع وطلب المزيد.. في ستينات القرن الماضي كانت لي صولات وجولات في بارات العاصمة. يا حسرة.. أيّ جيل هذا؟ لقد قتل البورنو فيكم حبّ اللحم والشحم والعرق والريق العذب.. مساكين فأغلبكم لم يلعق فرجا الى الآن.

كنتُ مشدوهاً أمام قدرة هذا العجوز على جذب المستمع وتأثيره على هؤلاء الشبان الذين ينصتون له بتركيز خاشع، كان كشيخ أزهريّ وسط طلاب العلم، تحيط به هالة من الوقار والقداسة التي تجعله يتعالى فينهى وينهر ويشتم.. كان نهراً هادرا وهم مجرّد اسفنجات تمتصّ تلك الحكايات.

“لا علاقة للبورنو بالحقيقة. النيّك الواقعيّ هو حفر في الجلد، تطويع للمرأة التي أمامك والشاطر من يليّنها فتستحيل صلصالا لزجا يشكّله كيفما شاء. هه.. الخرطة*** ماذا جنيتم منها؟ تستهلكون طاقاتكم امام الشاشات وترهقون أيوركم بخشونة أكفّكم. اعلموا انّ الأكفّ خلقت لتُمرّر على الثقوب والدبر والأثداء.” يصمت ثواني ليرى وقع كلمات على دراويشه ثمّ يواصل: “أنا أنتمي الى جيل نهم مقبل على النيك دون هوادة شعارنا زبور واحد لا يكفي. أما أنتم فضحايا التكنولوجيا وتعملون بمقولة خرطة ولا ورطة.

قطع الخطبة زبون طلب قارورة ماء وعلبة سجائر، كان ذلك اعلان نهاية خطبة اليوم فانفّ الجميع من حوله كطيور فزعة.. وظلّ هو شارد الذّهن، ربّما يسترجع صورا من لياليه الحمراء أيام كان يحرث النساء حرثاً..

*الزبور: الفرج باللهجة التونسيّة

**براكة: اسم يطلق على المحلّ الصغير الضيّق على الرصيف

***الخرطة: العادة السريّة باللهجة التونسيّة