نقطة ضوء عميقة على جسدي / كريم شفيق

| نقطة ضوء عميقة على جسدي |

كريم شفيق|

|الصورة للفنان الأمريكي بول كوس|

كانت الانتصابات المتكررة في مراهقتي، أمراً مربكاً لي، يتسبب في الإحراج والرغبة في التستر، وتفادي النظرات المدببة تجاهي. تواجهك بالحذر والتشكيك بينما تطالعها بالخجل والاضطراب ومحاولة تفسير ما لا يفسر!

ليس هناك أسوأ من لحظة الاستمناء، وأنت غارق في النوم، ووجهك مندس في سرير جامد، لم يختلج لتلك اللحظة الحميمية، التي وقعت في عالم محايد، بعيداً عن الواقع، وداخل حلم ردئ، حقن مشاعرك، في لحظة عاجلة، وأيقظك على عجل، دون أثر حقيقي يدوم بعد نشوة الجنس.

كنت أشعر بالنقمة في مراهقتي على ذاتي والله، بالرغم من احتفاظي بإيماني، في تلك الفترة، ولسنوات لم تطل بعدها.. وأكره سروالي المبتل بالماء ولزوجة ملمسه ورائحته المميزة.

ظلت علاقتي بالمرأة في سنوات مراهقتي، كمثل أمور كثيرة، تتماثل مع رومانسية شديدة المثالية، تستأصل الشهوة وتستبعدها، تماماً. وأمارس في سبيل الحفاظ عليها، حيلاً عديدة، بغية الزهد أمام إغراءات الجسد ومطالبه الملحه. وكنت قادراً على ذلك، بالرغم من المشقة والصعوبة، التي تتسببها تلك المشاعر المكبوتة وتصفية نزوعها الطبيعي.

وذلك، عبر القراءة بإفراط والتعلق بالحب الأفلاطوني، والتماهي مع الطفولة وبعض الرياضة، وتوثيق التجربة القسرية، المهملة كطين متسخ على حواف الأرضية، ومحاولات متعثرة،في كتابة الشعر؛ وكلها كانت أدوات أحتمي بها، عن مشاهدة الأفلام الإباحية وممارسة العادة السرية وفقدان لذة التجربة، أي تجربة.

أول تجربة جسدية لي، كانت في وقت متقدم بحياتي، أنهيت دراستي الجامعية وتخلصت معها، من مشاعري البدائية القديمة كلها والحب الأول بحياتي أيضاً!

في ذروة مغامرة عاطفية تملكتني بصورة غريبة وطارئة، خلقت تجربتي مع الجنس، بحيمية وحيوية، كأني أترك أثراً واضحاً في صحراء واسعة، وأرغب في تلغلغها وتوغلها داخل نفسي، وملء كل المساحات المتآكلة وترميم الرتق الكبير وسد فراغاته. لا أريد تكريس فحولة، بقدر ما أبحث عن هذا الجزء المفقود التائه مني.

 كلانا يفض عن نفسه فشل عاطفي ويدفع ثمن هزائم متراكمة في الواقع؛ مع السياسة والأسرة والمجتمع.

 خلفنا يتضاءل ميدان التحرير الذي شهد ربيع القاهرة الثوري والمهزوم، وليس ثمة رغبة للحديث الماضوي، حتى لو بالسخرية المريرة. اخترنا هامشاً ضئيلاً وهشاً، ربما، نحتمي فيه. ومع أول سيارة مرت أمامنا، هربنا داخلها، نخفي أثر الخمر في عينينا المحتنقتين، بينما ظلت لهجتها غير المصرية التي تظهر واضحة، وبطريقة مضحكة، وهي تحاول تقليدها، تصنع تودد، أحياناً وفضول وتطفل، أحياناً أخرى مع الآخرين والغرباء.

مزيج من روائح متخيلة ومختلطة، كانت تنبعث من جسدها العاري، بتفاصيله المملوء بالحب والرغبة. انحناءة أنفها وهي تندس في وجهي، تنغرز برقة وشغف، وهي تلتهم فمي بقبلات مطولة، وترفع يدها بآهة خفيفة على وجهي،فتتوقف لحظات وهي تتأملني بإبتسامة، من وجهها الطفولي وعينينها،اللتان تبدوان كمثل نقطة ضوء عميقة.

شعور بالخفة والخدر معها لا ينمحي شعوره اللذيذ، لم أظفر مع غيرها بهذا الحب العميق، والاحتواء المستحيل، الذي أبلغه كلما ساعدتني على الدخول في لحمها، وتظل رائحتها بجسمي وعطرها يمسدني، ربما، لأن هناك شئ بقى مبهما وسري وغير مكتمل، بيننا، نخفيه، أحيانا،ً ونعلنه في مشاجراتنا الاستثنائية بعصبية وتوتر، أحياناً أخرى.

صوتها الذي يتعب من الحديث، فجأة، فتخرج كلماتها ببحة خفيفة، تخفض معها صوتها وهي تشعر بالضيق، عندها كانت ترفع رأسها لأعلى وهي تتمدد بجسدها، على السرير بجانبي، فأضمها نحوي بقوة، كأنما كنت أحاول ضغط الزمن وتكثيف اللحظة معها.

تحرر جسدي من عقدة الذنب وامتلك رغباته، منذ شعر بالحرية داخل تضاريس، جسد الآخر الذي منحه السعادة وفهم شفراته الداخلية وتأويلاته المختلفة..

وسلام على من اتبع الهدى!