أنا سلحفاة بلا رغبة / صهيب أيوب
| صهيب أيوب |
أرغب في البكاء. لكني عاجز. مثل عجزي لأيام عن الخروج من غرفتي. بقائي في السرير، يثبت أني كائن يمد يده لهواء هش. قليلاً ما أقف على قدماي. أدللهما بمشية سريعة، لكني ما ألبث ان أعود الى النقطة نفسها. حيث الغرفة يفصلها رواق صغير، يفضي الى مكان اعده قصياً. لن أبلغه. المسافة تشبه مساحات القلب الفارغة. شاسعة وجرداء. يباس أعرفه وحدي، أو من يعتاشون من القلق منذ طفولاتهم.
جل ما أحلم به، أحياناً، أن اترك سريري. أن اضع قدماً فوق الباركيه. أفردها كاملة. اتركها تحت ضوء الشمس. احياناً انسى درفات الخشب مغلقة. ابقى في عتمة. العتمة تكرر ذاتها. لا ليل ولا نهار. عتمة دبقة، تترك آثارها، كوحش.
***
أحيا حياة لا أحبها حالياً. لا اعرف ماذا أحب حقاً. وأي الامكنة الداخلية في قلبي تستهويني. اجر نفسي الى الأيام والصباحات كمن يخرج لتوه من موت محتم. لا اريد أن انتحر ولا اريد أن ارى جثتي لاحقاً مرمية في غرفة تشريح. يقلبني اصحابها كما يشاؤون ويرون ثقبي الشرجي. ويحاولون التكهن بمن ناكني آخر مرة. عن ماذا ستبحثون؟ لا يوجد لدي عائلة ولا حب ولا قبل منسية. كل ما في قلبي فجوات يمر فيها الذباب. ويأكلها العفن. انا أسرق كل يوم تفاحاً من بساتين الليل، اقطفه بهدوء. واقذفه في وجه هذا العالم المقفر. وأعود الى فراشي، لأحتلم على مشاهد قديمة، لرجال بأجسام ممشوقة والسنة لعوبة.
وحين أحلم اتورط في الكوابيس. لم اتعرف في حياتي الى أحلام جميلة. المرات القليلة التي حلمت فيها بأمور لطيفة، تعيدني الى خيباتي. الى الشبان الذين لم يستلطفوني يوماً، الى رغبتي في اجسامهم وعيونهم الحزينة. يشدني الحزن وبقايا الاجسام المربكة. أحب الذين لا يبتسمون، اولئك الذين يخشون الحياة ويعبرونها كمن يحاذر فخاخ الأتربة، او أرضا مليئة بالألغام. والحياة اليست فخاً كبيرا تورطنا فيه؟
نعم لا احب الحياة ولا معانيها الدقيقة ولا خلفيات عمقها. طالما أني لم اعش اشيائي كاملة او لأني لم احصل على ما احب. وفي كل بحثي، افكر في المعنى؟، افكر بأن الجدوى هو العدم. حيث لا اجد في يومياتي اي شيء سعيد. حتى المرأة التي تجلس مع زوجها وتبلغ الثمانين غير مسرورة. تبكي من وقت الى آخر امامه. يعتذر لها. يعتذران على أمور تافهة. يبدوان كل يوم في جلستهما السخيفة وهما يتناولان الغداء في المطعم نفسه، ويواظبان على رشف كوبين من النبيذ عينه، انهما تورطا مثلي مراراً في الحياة. لكنهما يقاومان عدميتها بثبات، بالكؤوس والمرارة. ما معنى ان تجلس كل يوم على طاولة وتأكل. ما معنى ان تمرر الوقت كأنه نثار ورق. تبذره. يا للهول. هل سأبقى كل عمري مثلهما ابذر الوقت، وأحاول ان أبرر وجودي في هذا الكون وفي خرابه وحزنه الشديد؟
ليس في قلبي سوى هذا النزق، عن أيام تتتالى بكل جروحها. محاولاتي العابثة في الخروج بشيء، الا اني بائس وعاجز. لست خائفاً، لكني احيا حياة لا احبها ولا ارغب في كثير من الاوقات باكمالها بهذا الشكل العابث من الألم. حبذا لو تقابلني رصاصة واحدة. حبذا لو لم أكن.
****
انا سلحفاة. أجر جسمي المثقل. أرميه ببطء فوق السرير. هكذا أنهي نهاراً وأشطبه. ثم لا أنام. عاشني الأرق بهدوء. الزمني الاستمتاع بالأصوات النائمة وبروائح الليل. ذاك الذي يطبق قبضته على قلوبنا. فنحس بأننا ندنو من الموت. لكننا نكتشف الصباح بنعاس قوي، ونظن اننا احياء. فنمشي كالسلاحف الى امور الدنيا. وللحقيقة أننا لا نمشي. بل نزحف الى الأيام نتمنى أن نقفز فوقها، لكنها باسقة مثل خيباتنا.
أنا سلحفاة، أملك قفازات ترقص في الهواء. ولا تقع. تنجو من القسوة. انها وحدها ما يجعل أيامي الرتيبة متخففة من الألم.
***