إلى من لا يرغبون / ياسر السعدي

| ياسر السعدي |

| اللوحة: تانيا الكيالي- فنانة سورية |

من لا يرغبون ,هم ممسوسون بلا شك ,هم موتى أو مُدّعون .

الكآبةُ داءُ العصر بامتياز, قطاعات الترفيه تحاول محاربة الكآبة ,مشاريعٌ ضخمةٌ في كل الأرض لمحو الكآبه وجعل كل شيءٍ متاحاً للجميع ,عدالةُ الاستهلاك تخفف من كآبةِ الفقراء و ضيقهم ورائحتهم, كلنا فلنقف لمحاربه الكآبة ,فلتقم ثوراتٌ لذلك و لتحارب الحكوماتُ كل رعاياها عندما تضطربُ رغباتهم كما تحاربُ الآلهةُ كل شياطين الضّجرِ و اليأس و كما يحاربُ الأدبُ الجيدُ كل قصةٍ ركيكة ,الكئيبون يجعلون شفقتنا عليهم تتعب قلوبنا ,تُتعبُ مرايانا.

رغبةُ غيرِ الممتثلين للقواعد التي تحافظ على الرغبة “منطقيةً”,هي مشكلةٌ كبرى تحول الاستقرار إلى فوضى لا يمكن إهمالها و يجب السّيطرةُ عليها حتما,هؤلاءِ النِهمّون ,هم ممسوسون بالشّر ,بالذنب الذي يُتعب القلب حقاً ,سرقةُ أحدهم لمتجرٍ يعملُ به بائعٌ معاقٌ و تغريمُ البائعِ بالمسروقات لهو أمرٌ يثيرُ الشفقة على البائعِ والنقمةَ على السّارق الشريرِ ذاك ,هم لا يفهمون الرغبةَ بحياةٍ هانئة للجميع ,مؤذون ,مريضون .

الإيمانُ بتحقيقِ ما ترغبِ إليه سيجعلك تنالهُ حتماً ,كن منفتحاً على رغبتك وعلى الرغباتِ التي ستقفُ في جهِ رغبتك الأولى لتحقيقِ ما تريده ,عندها ستختبر الحياة ,الحياةُ رغباتٌ لا تنتهي ,العالمُ رغبة ,كن منفتحاً على العالم و لتحفل كل الطرقاتِ بالمطاعمِ المختلفةِ الجنسيات و لما لا نرغبُ بأكل السوشي ؟ النازيون الجدد في ألمانيا يأكلون الفلافل السورية ثم لا يريدون للسوريين بالبقاء في بلادهم ,هذا أمرٌ يتندرُ به اليساريون ,و لما لا نرغبُ بأن يكون بيننا من يجعلنا نرغبُ باحتضانه ؟ قلوبنا ,مرايانا ترغبُ ,العالمُ رغبة ,كن منفتحاً على العالم .

الرّغبةُ معجزة ,تفتعلُ ريحاً عظيمةً تغيرُ كل ما تصادفهُ ليصبح برّاقاً أكثر ,كل الجمال و كل المعارفِ معنيٌّة بالرغبة كمغزى أي إله أو اي نبيّ او اي دستور و المغزى هو رغبةٌ تُصممها المرآةُ متحالفةً مع رغبة اللا موت ,رغبة اللا آلم ,الموتُ و الآلمُ يثيرانُ الشفقة و الذنب داخل المرايا ,كم هي غنيةٌ رغبةُ المرآة ,كم هو معجزةٌ أمرُ عقلنا البشري الفريد.

موقعك في مجموعةِ الرّغباتِ سيُحدد رغباتك ,تختلفُ التفضيلاتُ و التأويلات ,يرغبُ والداكَ بإنجابك ,ترغبُ بأن يكون هناك مساواةٌ بين الفقراءِ و الأغنياء ,ترغبُ بإمراةٍ لأنك رجلٌ أتت من رغباتك بكل ما تراهُ في فيلمٍ أمريكي , ترغبُ بعبورٍ البحرِ لتصل لأرضٍ من رغبات تبدأُ من قدميك و تنتهي باسمك ,ترغبٌ بخلودٍ ما لأن هناك آخرون حققوه عندما سعوا إليه , أركض لتنال ما ترغبه ,المثابرةُ فضيلة ,التضحيةُ دربُ النصر لأي فردٍ و لأي جماعة ,فلترغب بذلك رافعاً رأسكَ مُجدّاً عظيماً .

من لا يرغبون ,هم ممسوسون بلا شكٍ أو مخادعون .

فوضى الرغباتِ حولك ليس مقنّعاً ليكون عُذراً باللا-رغبة , ليس مُقنعاً ليكون عُذراً بالجريمة ,أين فضيلتك إذاً ؟ أين مثابرتك إذاً ؟ لست طفلاً ,لست مجنوناً أو حيواناً و هذا يعني أنك مريضٌ تحتاجُ لتنشيطٍ لرغباتك و جعلها أخفُّ عبئاً على فهمك للرغبةِ فتبلغ ما أربت , كلنا نرغب هذه حقيقةٌ لا شك فيها ,يُصّرُ عليها التاريخُ و علمُ الأحياء, هناك مؤسساتٌ للإصلاحِ أخفُّ حدةً من مؤسساتِ إصلاحِ أولئك النُهمّين ,هناك للذّنوبِ قلاعاً تحميها حتى تبقى الذّنوبُ بعيدةً كما يجبُ أن تكون ,لمسُ ذنبٍ يعني ناراً تلسع ,يمكنك أن تتدفأ بقربِ نارٍ لكن لمسها محرق ,تذّكر ذلك جيداً ,كلنا نرغب هذه حقيقةٌ لا شك فيها ,يُصّرُ عليها التاريخُ و علمُ الأحياء و خطاباتُ الانتخابات.

الذّاكرةُ نافعةٌ جداً ,متتاليةُ رغباتٍ تمسكُ القلق و الحدس بيديها, تجلبُ رغباتٍ أكثر لكلّ رغبة ,بناءٌ آخذٌ من عطشٍ لأشياءَ أخرى ,تقصدها الذّاكرةُ لتأتي .

كلُّ شيءٍ مُعدٌّ لك ,لتمارسهُ بشغف ,هناك أراجيحٌ معدّةٌ لكل الأطفالِ في كلّ الحدائق ,الأرجوحةُ تُمارسُ بشغفٍ مراراً في مجموعة الرّغبات ,مجموعةُ كلّ شيءٍ و أنت .

هناك دوماً محاربونَ للرّيحِ العظيمةِ تلك ,يرغبون بكتابةِ اسمهم في الهواء الذي ينشئونَ له طرقاً جديدةً ليكون أقوى مما كان قبلهم .

الخرائطُ تجعلُ فهم العالمَ رغبةً ممكنةً كأيّ رقمٍ أو كلمةٍ أو مذهبٍ فلسفي يرغبُ بذلك ,المعرفةُ رغبةٌ يزدادُ نُبلها كل يوم ,إعلاناتُ المنشآتِ التعليمية في كل المدن الألمانية ,يكنك التعرفُ على برامج التقسيط في مواقعها ,تُصرفُ مئاتُ الملايين على اللاجئين في ألمانيا لتعلم اللغة ,دائرةُ العمل تحتضنُ الجميع هنا ,دون برنامج التشغيل لا يمكنُ لأيّ آلةٍ بالعمل ,النّظامُ الضريبي هو ماهيةُ دائرةِ العمل لذلك يرغبُ المواطنون الألمان دافعو الضّرائبِ من اللاجئينَ بأن لا يحولوا مال الإعاناتِ خارج ألمانيا إلى بلادهم ,هذا يضّرُ بمصلحةِ الجميع ,يضّرُ بحركةِ المال من مصدرها إلى مصدرها  ,ترغبُ دائرةُ العمل بإعطاءِ المال هنا ليُصرفَ هنا ,هنا توجدُ الكثيرُ من الرّغبات, يرغبُ اللاجئون بالعمل لدفع الضّرائب هذا يجعلهم مندمجين حقاً ,الاندماج رغبةٌ يتشاركُ فيها الألمانُ و اللاجئون على حدٍ سواء ,فليرغب الجميعُ في هذا المكان بأن يكونوا مساهمين في النّظامِ الضريبي ,لا يستطيعُ أن يبتسم أحدُ دافعيّ الضرائبِ في وجهِ من يجنيّ مالاً دون تزكيتهِ ,هؤلاءِ الذين لا يدفعون الضريبة لا يرغبون بالعدالةِ الاجتماعية التي يحققها نظام الضّرائب ,كنّ منتجاً ,الإنتاجُ يتحققُ عبر نظام الضّرائب ,إرغب بحياةٍ أفضل .

“دافعوا عن ضرائبكم , دافعوا عن رغباتكم” ,جميعُ الأحزاب الألمانيةُ المقبّلةُ على الانتخابات ,ترغبُ بتحقيقِ العدالة الاجتماعية ,الناخبون يدافعون عن رغباتهم عندما يصوّتون ,الإنتخابُ رغبة .

لو سألت فيلسوفاً عن الفلسفةِ لأجابك كراهبٍ عن الله ,قد يختلفون في سردِ ما يفعلونهُ لكن شراكتهم ترتبطُ بما يرغبون ,الدّفاعُ جزءٌ من الفضيلةِ ,جزءٌ من المثابرة .

من لا يرغب ليس من الممكن أن يشكل رغبةً لأحدهم ,إبتسم و اضحك و كنّ جميلاً, ارغب بذلك,إعرف رغبتك لتعرف نفسك ,إعرف رغبتك برغبتك فلتعرف لترغب ,ستصبحُ رغباتك أكثر إنتقائيةً بعدها ,لكن حذّارِ من اللا رغبة ,طريقُ الحمقى ذاك ,حتى أن بعض هؤلاءِ الحمقى يقتلُ نفسهُ رغبةً بأن لا يرغب أيّ شيء ! من لا يعرف الأمل لن يصّل إلى ما يرغب ,للأملِ طرقٌ لا تنتهي بعددِ طرقِ الله ,الخلاصُ العظيمُ ممكنٌ لمن يرغب .

الرّغباتُ الحيوانية لا تحوي أي بعدٍ جماليّ , أن ترى أحدهم يأكلُ لحماً نيئاً و دمُّه على لحيتهِ لهو أمرٌ مقزز و أن أحدهم يغوّط في منتصف الشّارع كأحد الكلاب ,هذا ليس رغبةً حتى ,هي وحشيةٌ عدائيةٌ تبتعدُ عنها ملابسنا البشريةُ و ألوانها ,تسريحاتُ شعرنا ,عطورنا ,ملابسنا الداخلية ,بيوتنا ,مزارعنا ,مدراسنا ,جامعاتنا ,أسواقنا ,متاحفنا ,دور عبادتنا ,مقاهينا ,ملاهينا ,حدائقُ أطفالنا ,خطاباتنا السّياسيةُ ,برلماناتنا ,أقمارنا الاصطناعيةُ و كلماتنا ,إذا لم تجدّ ما ترغب فارغب بالحب للجميع ,كن ما تكون ,و ارغب شيئاً ,الهيبيون يرغبون بالسّلام ,الكسالى يكذبون , هم يرغبون و لكنهم اتكاليون على شفقة سواهم و أنانيون لا يعنيهم شقاءُ الآخرينِ المثابرين حولهم يريدون كل شيء بين يديهم دون أن يثابروا إلى فعل أيّ شيء ,هم يرغبون بالكسل ,جميلٌ هو أن ترغب !

من لا يرغبون ,هم ممسوسون بلا شكٍ .

أنا أرغبُ بأن أكتب شيئاً ,هو يرغبُ أن يسمع أغنية, هي ترغبُ بتقطيعِ الشّارعِ أيضاً,من يفعلُ ما لا يرغبه حقاً لن يصل إلى ما يرغبُ إليه ,السّعادةُ أن ترغب و تفعل ما ترغب ,أبحث عما ترغب به حقاً و إذا لم تجده في هذياناتك,الآخرون سيجدونه لك ,سيشفقون عليك  فلترغب بإخبارهم أو بإخبارٍ دائرةِ العمل و هم سيساعدونك في تكاليفِ المعالج النفسيّ ,هناك طاقمٌ خبيرٌ هناك في مسائلِ الرّغبة, تعلمُ الأمهاتُ أطفالهن بأن يرغبوا برضاعاتِ الحليب و تعلمُ الشّعاراتُ الانتخابيةُ بأن يرغب قارؤوها بالمشاركةِ لأننا نرغبُ بما نقرأهُ لتجعلهُ القوةُ عبر أملنا به و قلقنا عليه أمراً حاصلاً . اشفق على أحدهم و لا تشفق على الآخر ,الشفقةُ رغبةُ مرآةٍ ,رغبةٌ تُرسمُ معالمها عند فرحةِ الجميعِ في العائلة ِ بخدودٍ طفلِ رضيعٍ ,الجميعُ يعرفون أنفسهم في المرآة ,من لا يعرفون أنفسهم هم أناسٌ يحتاجون لتنشيطِ رغباتهم ,يحتاجون أدويةً تُعدّلُ النموذج الصّحي للسّلوكِ السليم ,العقلُ السليمُ في الجسمِ السليم ,التّصوراتُ تُخربُ البناء الذهني “الطبيعي” كما أن للجيّناتِ دورٌ في ذلك ,لكن ذلك تحت السّيطرة ,هناك آلافُ المراكزِ البحثيةِ و المصحاتِ المختلفةِ الوظيفةِ  ,كل ذلك تحت الرّغبةِ بالسّيطرة , لا تقلق أيها العقلُ الفريد, سنعرفُ كل شيء ,الرغبةُ ليست جحيماً يمكن أن تحقق كل ما ترغب ,هناك شقوقٌ في كل الأبوابِ لتكون مفاتيحاً لها ,ليس هناك ما هو مغلقٌ تماماً ,لا تخف و ارغب .