ليلة ماء العينين: في أنّ الأحرش للأملس/ عمر محمود سالم
|عمر محمود سالم – موريتانيا|
في وضعية جلوسه تلك الليلة باشر ماء العينين لأول مرةٍ بطرح أسئلة غير مطروقة من قبل، كما بدا له، في الحياة وخبراته وتجاربه الخاصة. وحتى إذا كان للصدفة دورٌ في ما حصل معه، فإنه وردًا لإحساس داخلي مبهم، لم يكن غريبًا منفرًا على الإطلاق.
حياته التي كانت دومًا مضبوطة على مقاسٍ خاصّ لم تكن عصيّة على الانخراط، فجأةً، في مسالك جديدة من العيش “المنفلت”. نقول المنفلت لأننا قصدنا الإشارة إلى وجود ثنائياتٍ مشاكسة من قبيل “غريب”/”منفر” طالما كانت مرجعًا لسلوكه الخصوصي والعمومي على حدّ سواء. وإن كان الخصوصي هنا، كجانبٍ من سلوكه، يشهد حضورًا بارزًا لتلك الثنائية وشبيهاتها.
ربما تساءلنا كيف لثنائيةٍ كـ”غريب”/”منفر” أن تشكل مرجعًا مفيدًا وواضحًا؟ بالنسبة لماء العينين فالحياة مسألة تركيب خاصّ يمكنه أن يتلونّ بألوانٍ عديدة. وهكذا قاس حياته دون خلفيةٍ علمية أو ايتيقيّة معتبرة. هو ليس، كما يعلن دائمًا، على قدر أي مصطلحاتٍ ومقاييس معقدة، لهذا كان رجوعه إلى ذاته، في صدد صياغته مراجعه، هو الأساس البسيط.
بالرغم من تشوش نشاطها، كثنائية، فهي تبدو ذكيّة. بل وباعثةً على التساؤل في حالة علمنا أن ماء العينين “متعهّد أبقار جاهل” كما يحبّ وصف نفسه. مكمن الذكاء في ثنائية ماء العينين هو قدرتها على مراوغة الصرامة القاطعة للحدود الاجتماعية والأخلاقية المهيمنة، والقدرة على أن تشقّ فيها سبلًا هو وحده من يعرف كيف يمشي فيها دون تعبٍ كبير. هنا فهي تحتمل مقاربة سلوكه من منظورٍ مختلف لا يصلح لغيره أبدًا.
(2)
أثناء مزاولته لحلب بقراته، قبل تلك الليلة بشهرين، شكا ماء العينين لصاحبه البناني من قساوة ضرع بقرته “أم اسوييله”، بعد أن كان حلبها سهلًا للغاية في السابق. ولأن “أم اسوييله” هي أكثر بقارته معزّةً على قلبه فإن تلك القساوة المفاجئة كانت مفزعة لما بعثته في قلبه من مخاوف أن تكون بقرته أثناء خضوعها لموسم الحلب تخضع أيضًا لمعاشرة الثيران.
خضوع “أم اسوييلّه” في موسمٍ كهذا للثيران لا يبشر بخير بالنسبة له. وهو يشير إلى خرقٍ لعادة البقر المحكمة وفقا لمواسم معينة تؤكد أن البقرة التي تضع مولودها/عجلها في هذا الخريف ينبغي أن لا تخضع بأيّ حالٍ للثيران ما لم تفطمه لأنها ليست في حاجةٍ لهم كبقرة حلوب ومرضعة.
أراد ماء العينين أن يفحص الأمر بنفسه ليتأكّد ممّا في خاطر فراسته البدائية. لهذا فعندما انتهى من حلب بقراته قام بتقييد قوام “أم اسوييله” الخلفية رابطًا رأسها بجدر ضخم من القتاد كان مغروزًا في المراح، ثم بدأ يدخل يده في فرجها ذاهبًا إلى أعماق الأحشاء، وبعد محاولات عدة من النبش في الأحشاء العميقة لبقرته استطاع ماء العينين، وآهاته تتصاعد لاهثة بفعل الجهد، أن يعثر على بذرة حياة ألقاها فحل ثيرانٍ ما مؤخرًا في بطن بقرته العزيزة.
أخرج ماء العينين يده مصدومًا وهو يتفحصّ البذرة المنوية بدهشةٍ كبيرة. كان الأمرُ كما لو أن البقرة التي يعزها كثيرًا تنتهكُ شرفه قبل أن تنتهك قوانين مواسم البقر في منطقته. وبينما كان يقوم متثاقلًا أعلن عزمه على بيعها في أقرب فرصة وعلامات الحزن بادية على وجهه.
(3)
هذه الليلة حلب ماء العينين بقراته باكرًا، وأغلق عليهنّ الزريبة، خاشيًا أن يلقين مصير بقرته السابقة العزيزة. ثم ذهب بعد ذلك واستحمّ وبدلّ ثيابه لابسًا دراعةً بلونٍ خفيف يتراوح بين البني والأزرق تحتها سروال فضفاض أسود اللون يزينه حزام تقليديّ مطرّز بصباغةٍ رمزية كثيفة، ثم اتصل على صديقه البناني صاحب سيارة الكارينا ليأتيه ويذهبا معًا لعرس في أقصى المدينة.
عندما جاء البناني كان ماء العينين في قمّه قلقه وانتظاره الغاضب. لقد استبطأ صديقه خاشيًا أن تفوته جميلات العرس ثم يرجع متأخرًا ولا يقوم إلاّ ضحىً إلى بقراته العزيزات عليه.
كانت الساعة تشير إلى 12:36 ليلًا عندما وصلا للعرس. نزل ماء العينين سريعًا من السيارة وهو يشدّ لثامه حتّى يضمن له ولصديقه مكانًا في تجمّع العرس الضّاج بالجمال والروعة. وقوفًا وهو يتأمّل المشهد لمح ماء العينين مكانًا شبه قصيًا جلّ ما فيه من النساء، فقصده راجيًا أن يُفسح له ولصاحبه مكانًا حتى يعاينا حفلة العرس، وخصوصًا أداء المطرب المحبب لهما.
كانت النسوة اللاّتي وجد هناك دون الأربعين جميعًا، كما اتضح له، وحتّى لا يكون سيئًا في اختياره فقد فضّل أن يجلس جنب الأقرب إلى عمره منهن، أي الثلاثينيات. كنّ أربع نسوة هنّ من شكّل دائرته هو وصديقه الذي وصل أخيرًا يشكو له ضياعه في العرس بحثًا عنه.
(4)
يتقن ماء العينين معاملة النساء. هو قاسٍ وليّن معًا. يعاملهن بحسب منهجيته البقرية كما يقول، فيؤدب من تحتاج التأديب ويسرح من تحتاج السرح. يقول أنه لا يريد منهنّ غير “متاعهن”، ولا يفوّت الفرصة ليقول أنه لو لم يكن متعهّد أبقار لكان متعهدًا للنساء. وطالما رأى النساء فيه نموذجًا فريدًا من الوحشية الجمالية المتمثلة في بدويته الجلفاء وهوسه الخلاصيّ بهنّ.
على أبواب الواحدة كانت الجلسة التي تتضمّنهما، هو وصديقه، والنسوة الأربع ضمن جوّ يعلو فيه صخب الهمس الجماعي عاليًا، تتراخى وتُسقط عن نفسها حرج الكلفة والغربة. كان ماء العينين قد نجح نسبيًا في العبور بالجلسة إلى غايته، فاحتكاك صديقه ببعض النسوة كان متقدّمًا فيما ضحكاتهن وهمساتهن الشهوانية تتصاعد كلمّا علّق بكلمة يهيجهن بها.
لم يكن ماء العينين يقوم بكل ذلك اعتباطًا. لقد كان يريد الانفراد بـ”فيْتو” المقابلة له و التي اعتبرها أجملَ جليساته وأكثرهنّ “شيطانًا” وعمقًا. كانت لا تشارك بغير بسمةٍ آسرة، أو ضحكةٍ إذا خرجت، بعد انتظارٍ طويل منه لها، تفتنُ الأبصار والقلوب معًا. وهي على عكس صديقاتها الثلاث، كانت عصيّة على الاحتكاك الكامل، ربما لأنها أجملهن جسدًا، لذا لا تريد أن تضاهيهن في شيء أبدًا. للمرة الأولى عندما حاول ماء العينين أمام صديقاتها طرح يده على فخذها قرصته بقوّة حتى رفعها، فزاده ذلك إصرارًا على أنها ينبغي أن تكون هدفه الكليّ هذه الليلة.
(5)
فخذ “فيِتو” الممتلئ والناعم الذي لمسه لثوانٍ قليلة من فوق ملحفةٍ شفافة جعله ينسى كلّ شيء عداه، متخيلًا كيف سيستطيع مواجهته إذا كان عاريًا. ومع الثانية والنصف، عندما تضاءل حجم جمهور العرس ضعفًا، كانت جماعة ماء العينين بدورها قد انتقصت، فبقي ماء العينين وصديقه إضافة لفيتو وإحدى صديقاتها. وفيما كان ماء العينين قد بدأ يطبّع مع فيتو كان صديقه البناني يبتعد بصديقة فيتو كي يخلو المجال قليلًا لصديقه ماء العينين.
مع ابتعاد البناني غيّرت فيتو مكانها، مقتربةً من ماء العينين الذي كان هذه المرة يُعلن ابتعادًا مصطنعًا كنوعٍ من الملامة الخفية لفيتو. همستْ له في أذنه بأنها متزوجة وأن زوجها مسافرٌ، لهذا كان صعبًا عليها، ضمن أجواء معارفها وصديقتها، أن تكون سهلةً معه. لم يبد قبولًا.
فاقتربت منه أكثر، بينما كانت يده اليسرى قد أمسكت ثديها الطريّ المقابل لها. أدخل يده من جانب المحلفة مخترقًا الروب ثم أمسك به نائمًا بهدوء على صدرها، ثم شاكس فيه يده بنعومة. هامسًا في أذنها بحسانيته الطفولية: “ظهرلي مولان عن تينتك احلوّه حت”- “أظهر لي الله أن فرجك حلوٌ جداً”. ضحكت بخجلٍ شديد ثم أجابت: “وكيف عرفت ذلك وأنت لم تذقه قطّ؟”.
فيما كانت تتحدّاه أن يذوق حلاوة فرجها، كانت قدمه تنسلُ تحت ملحفتها بين ساقيها عابرًة إلى فرجها. كان شيئًا لا واعيًا بالنسبة له ، فوضعية التقارب الشديدة بينهما تسمحُ، ضمن أجواء المجالس المحيطة بهما، أن يدخل قدمه بين ساقيها وفخذيها وصولًا لفرجها دون أن يلمحهما أحدٌ أبدًا.
(6)
كان شيئًا مبتذلًا وفريدًا في الوقت نفسه بالنسبة لهما. لم يكن يتصور كما لم تكن تتصوّر أن يجدا نفسهما يومًا في هكذا وضعيّة: جلسة ثنائية، يقتعد طرافها حصيرًا على الأرض، متقابلين في ظلمةٍ غير حالكة غير بعيدٍ من الناس، وفي الوقت نفسه يدخل أحدهما رجله إلى فرج الآخر.
لم يع ماء العينين ما حدث إلاّ عندما وضع رجله مباشرةً على فرجها. كان ذلك له بمثابة صدمة يقظة هائلة جعلته يقول مباشرةً باندهاشِ: “ذَ شنهو- ما هذا؟”، فيما قالت هي بنشوةٍ صارخة: “آحْ يالال”. كان القدم المنساب بين ساقيها وفخذيها بمثابة نار نائمة لا تملك تعليقًا وافيًا عليها، وعندما وضعت على مكمن جرحها الأزلي لم تلمك من التعليق عليها غير التأوّه.
للحظة بدا غير مصدّق ما هو فيه من لذّة غير معتادة، أخذت معناها الأقصى لما رأى المتعة الشقية على وجهها في مقابله مباشرةً. لم يخطر على باله من قبل أبدًا أن لوضعيّة كهذه مثل هذا الحجم من اللذة؟ وكيف تختزنه في ثناياها دون أن يهتدي إليه أحد؟ كان فرجها في خياله لذيذًا بالطبّع، لكنه لما عاينه برأس وقلب قدمه بدا أكثر لذة ومتعة. فحرارته بدأت تتصاعد مع كل ملامسةٍ من عضوّ طالما بدا لكثيرين وحشيًا لا يصلح لغير المشي. أرادَ أن يقول لنفسه أن معنى الوطأ الحقيقي يليقُ بالقدم في هذه الحال فقط، متمنيًا أن يكون قد اكتشف مثل هذه الليلة في ما سبق من حياته.
انتصب قضيبه مع تكرار ملامسة القدم للفرج. سألها كيف تشعر؟ فردّت: “أكثر حياةً”. فاستفهم ما قالت، فوضّحت له بنبرةٍ أخرى: “يحرق بيّك ما أحلى قدمك!”، ثم سألها إن كان ما يفعله صحيحًا، فردّت عليه لا يهمّ إن كان صحيحًا، المهم أنه لذيذ وموجع. ثم استدركت: “علينا أن ندين لصدفة الوجود في هكذا المكان الجماعي عندما لم تتح أمامنا غير هذا النوع من اللذة”، فاستدرك على كلامها: “هذا هو كل اللذة”. ثم ضحكا معا أثناء قبلةٍ مختطفة.
كانا في جلسةٍ عادية ككل الجلسات المحيطة بهما في مكان العرس، لكنهما وحدهما كانا في قمّة نشوتهما وتمتعهما. فقدمه لا زال فوق تينتها يحكه عليها ويدخل أصابعه فيها، بينما هي تشدُّ على أصابع يده بيدها، وتهمسُ له في أذنه: “أشعرُ أنّ أصابع قدمك وهي تمّرُ على تينتي كمثل يد ذلك العازف في الخيمة ويده تمر على أسلاك القيثار”. فقال لها: “ممتاز أن عزفي بدأ يأتي أكله!”. كان الأمر عندهما، خصوصًا عندما يمرر أصابع قدمه التي لا تعدم الخشونة على تينتها الناعمة، أشبهُ بعزفٍ من نوعٍ مختلف، عزفٌ كل ما ينشده هو المتعة الخالصة التي تخلق من واقع الاضطرار الضيق رحابة التمتع الفريد.
(7)
على تمام الرابعة فجرًا حقق كلٌ منهما سكرته، ثم سألها: “هل ذقتُ تينتك أخيرًا؟” فردّت عليه: “لم تتذوّق قبلك قطّ”، وهناك أراد أن يقبّلها فترجّته أن تكون خاطفة على أن يلتقيا الليلة التالية. ومع ذلك قبّلها مطولًا ثم أدخل اصبع قدمه الكبرى في فرجها حتّى تأوهت بوجعٍ لذيذ. وافترقا بألم.
في طريقهما راجعين قال البناني بأنه لم يتمكّن من مضاجعة صاحبته بسبب الناس المحيطة بهما، فيما قال ماء العينين بنبرة من يتحسّر على ما فات أنه لم يعرف المضاجعة قبل الليلة. فسأله صاحبه: “كيف ذلك؟” فردّ بسؤالٍ يبدو أنّ صاحبه يحملُ شكوكًا جمّة، وليس بعدُ على استعدادٍ للإعلان عن سرّ متعته الذي وهبته الصدفة إياه.
(8)
صباح تلك الليلة لم يتوضأ ماء العينين لصلاته، مكتفيًا فقط بغسل رأسه ويداه عند الفجر. ودون أن يكون ذلك عنده خرقًا لتدينه المعتاد عليه، فإنه كان محافظةً على ما بدا سرًّا مقدسًّا استودعه قدمه.
وقبيل أن يقوم إلى بقراته كان قد طرح على نفسه أسئلة عديدة طالت كلّ شيء بديهي ببلاهتها المحتارة، حتّى تخليه عن بقرته لم يسلم عنده، هو الآخر، من أسئلةٍ مماثلة اختلط فيه حسُّ التمرد على العرف السائد بحسّ الشوق لها.