ثقب وقصة أخرى/ حيدر الصائغ
|حيدر الصائغ|
ثقب
كان جارنا دائماً ما يطرقُ أبواب البيوت المحيطة به ويفرغُ جامَ غضبه عليهم. كان يقول لهم: ( أبنكم يراقب زوجتي). فيعتذرون منه. في اليوم التالي يتكرر الأمر ذاته.
سمعتُ من أصدقائي أنهم كانوا يتحينون كل الفرص محاولين النظر إليها. يصعدُ بعضهم على السطح. يراقب بعضهم من النافذة المطلة عليها وهي تسيرُ في الحديقة أو فناء المنزل.
ذات ليلة كنتُ أسير في الشارع الواقع خلف بيتنا. كانت ثمة قطعة أرضٍ فارغة خلف بيت جارنا ولم يكن ثمة سياجٍ للبيت. انتبهت الى خيط الضوء يخرجُ من ثقب صغير جداً في الجدار. ذهبتُ باتجاهه ونظرتُ من خلاله ورأيتُ الرجل وزوجتهِ ممدين على السرير. كان الثقب يؤدي إلى غرفة نومهم. كانت زوجته فائقة الجمال. راقبتها وهي ترفعُ جسدها المثير ببطء وتضع رأسها على صدره. ينسدلُ شعرها على جبينه فيخفي وجهه عن عيني.
رحتُ أراقبُ كل ليلة. أخبرتُ جميع أصدقائي بشأن وجود الثقب وكانوا يتناوبون المشاهدة معي. كانوا ينظرون مذهولين وهم يمارسون العادة السرية فتلامس أعضائهم الجدار، وكانوا في كل مرة يضعون أصابعهم في الثقب محاولين توسيعه.
ذات ليلة كنا مأخوذين بالمراقبة. كنتُ أشاهدها ممدةً تنام وحيدة، ترفعُ ساقها العارية الناصعة البياض وتضعها على ساقها الأخرى. فجأة دخل زوجها الشارع من الخلف ورآنا وكان الجمع قد تفرق مذعوراً . أمسكني وأبعدني عن الجدار ووضع عينهُ في الثقب وراح ينظر كما لو كان واحداً منا.
________
دانيا
كان أمام بيتنا دائرة واسعة من القصب الكثيف. ما أن تبدأ الخفافيش ساعة الغروب بالتحليق فوقها، نرشقها بالأحجار فتنخفض نحونا مشكلةً دوائر صغيرة، فنسرع لنضع أيدينا على وجوهنا لئلا تلتصق بها كما أخبرونا أهلنا بذلك.
كانت دانيا الشقراء ابنة جيراننا تخرجُ عند الغروب. نركض باتجاهها ونلعب حولها لكنها تلفعنا بنظرات غاضبة، قبل أن تطردنا تزمُ شفتيها وتنظر نحو القصب.
كان لدي فضولٌ دائم لمعرفةِ ما يخبئه الآخرون. كنتُ أعرف أن دانيا الجميلة تخفي سراً ما وعزمتُ على أن أكتشفه.
لم أدخل ذات يوم إلى البيت عندما حلّ الظلام ولم يكن ثمة أحد في الشارع . كان نقيق الضفادع يُسمع جيداً حيث كنتُ أجلس في زاوية مظلمة من الشارع مراقباً المكان.
خرجت دانيا من بيتهم تلتفت يمنة ويسرة وتقدمت تجاه القصب وأخذت تشقُ طريقها في داخله. دخلت ورائها وأنا أرتعش. كان ضوء البيوت القادم من الخلف بالكاد يجعل الممرات الضيقة في القصب واضحة الرؤية. رأيتها تعانق شخصاً. لم أتبينه في الوهلة الأولى بسبب خوفي وارتباكي. جمدتُ في مكاني وقلت في نفسي : أنه أحد رعاة الأغنام الذي يرعى في شارعنا كل يوم.
لم أخبر أحداً بالأمر. رحتُ أرقبها دائما. أتبعها داخل القصب. أعبر السياج الذي بجانب القصب أحيانا وأشاهدها معه.
جعلتني هذه الأفعال أنجذب نحوها بل تمنيتُ أن أكون بجانبها بدلا من ذلك الراعي الأبله. فكرت بكل الطرق لكي أتقرب إليها. دخلتُ بيتهم متحججاً بأغرب الحجج لكنها تجاهلتني. عندما كانت تخرج أكون أول الواصلين أليها. المحُّ لها مشيراً إلى القصب لكنها كانت تستمر بطردي حتى أنها ذات مرة رشقتني بالأحجار.
ذات يوم عند الغروب وقبل موعد خروجها، أخذت عود ثقاب ودخلت القصب. جلستُ ورحت أبكي. مسحتُ دموعي وأشعلت ناراً صغيرة وأسرعت إلى البيت. بعد فترة قصيرة سمعت ضجيجاً وصراخاً، سرعان ما خرجت ورأيت النيران المرتفعة جداً. كانت مياه الإطفاء لا تستطيع إيقاف سريان النيران التي كان صوتها يشبه صوت طقطقة العظام. كان الجميع قد خرج من بيته مراقباً. لم تكن دانيا موجودة بينهم. وضعت يديّ على وجهي وراقبت الخفافيش في السماء مكونة دوائر صغيرة تحترق وتهبط مارةً بجانب وجوهنا.