مبارزة فاشلة مع البظر / عمّار المأمون

مبارزة فاشلة مع البظر

عمّار المأمون

|اللوحة للفنان فادي الحموي|

كان ملمس لساني على لحمها دوماً يحرّك في غريزة النيك، حتى لو قبلة عابرة في الشارع بين الجموع، أو قبلة على اليد في سخرية أرستقراطيّة، ما إن يلمس رأس لساني مسامها حتى انتصب، وحدنا، ترفض التعري حينها دفعة واحدة، بل تشير بسبابتها أن ألعق هنا، أحياناً تخفض البنطال، وتدعوني لتمرير لساني عند منبت فخذها، حيث يداعب شعر عانتها أرنبة أنفي، تشير مرة أخرى أن ألعق الدائرة الحمراء حول حلمتها، لا الحلمة بذاتها، بل الدائرة فقط.

 تقول: ” أريد نيكاً ملحمياً”..

أرتبك.

أحاول تلمس بظرها، تنهرني، هذا المكان لي، خاص بي، مكان لذّتي الخاص.

أحسدها أحياناً أن لها عضو لذّة صرفة، بظر مصمم فقط للنشوة، لا وظائف أخرى له، تحفظه لنفسها وتمنعني عنه.

أعود لجلدها بلساني وأفكر بينما ألعق أسفل نهدها أن كيف لي أن اسلخ جلدها هذا، أن أشفيّ الجلد عن اللحم وأصنع منه معطفاً، أو وسادة .

أغار من بظرها، تحاول تلقيني الإيقاع المناسب كي تنتشي شبقاً منه، أملّ أحياناً، وأحياناً أُرهق لساني، لم يكن التذوق حينها هو السبيل الفعّال في خلق اللّذة، محاولاتي لإيجاد روتين معين لبظرها تفشل دوماً.

تضحك

كلّ مرة إيقاع مختلف، لا يهم أن تتذوق، لن تفهم أبداً، اللعق لي، التذوق لك، اللعق حرفّة لا تحتاج للمران، بل للطاعة.

أؤمن أن أولّ العريّ هو لحظة أشد انتصاب، لحظة واحدة من اليقين أن هناك نيك.

مرة وَضَعت كيساً ورقياً مثقوباً عند العينين على رأسها، وقالت “نيكني”، كانت تقول دائماً لحظة انقباض كسّها وأنا أرهزه أنها تتحول بكل أعضائها إلى كسّ، لذلك وضعت الكيس.

“حاول أن تلجّ كسّا فقط، دون أي ملامح أخرى، فقط فرجّ له شكل يد، وشكل حلمة، و شكل قدم، حاول أن تنيكنيّ بأكملي ككسّ”

..

اكتشفت لاحقاً أنّي أسرد سراً كل ما تقوم به:

“استيقظت منذ قليل ورمشت ثلاث مرات، قبل أن تلمس رقبتها، ثم تتأكد من وجودي، لتعود لتغمض عينيها، ثم تجلس على السرير…”

حين نتحدث، كنت أردد كل ما تقوم به في عقلي.

 أرددّ (ها) دوماً.

لم نكن ننيك، بل نتفرغ للنيك كلياً، تبرمج الأسبوع على أن هناك يومين متتالين من النيك، لا شيء آخر، تحررّ عميق هو اليقين أن لا مهمة لك سوى أن تحافظ على انتصابك وتلج، يقين أن كلّ ما فيك مهيّأ لهدف واحد فقط.

تفترض أنظمة الهيمنة الدينية والسياسية سياقات محددة للّذة، هي تضبط إمكانيات النيك، عملية الضبط هذه تنعكس على كل كافة الأًصعدة وخصوصاً الفنيّة والأدبيّة، بوصفها مسيّسة، فهي تَضبُط وتحرر وتُمنتج لتحيل إلى بنيّة ما، عملية الضبط هذه تمنع أي انفلات خارجها، بوصفه مجانيّ، لا تكاثري، فائض، لا يصلح للنشر، لا يمكن أن يعرض، معها، كان الأمر أشبه بتربية هذه الانفلاتات، دفعها بعيداً عن أي هدف.

 الحفاظ على لذة عشوائية من أصعب المهمات، أن لا تحيل لأي “نظام” أثناء إعمال اللحم قد يبدو فعلاً عبثياً، مجرد سعيّ دائم للنفيّ.

سألتني مرة “أتحبّ أن تلعب معي ؟ “، هنا يأتي النيك /اللعب ضد العبث، مفاهيم التحدي والمنافسة الربح والخسارة كلها تتلاشى، اللعب بوصفه اندفاع بدائيّ خارج أي نظام تقنين، لا ضرورة للمعنى، بل ليس المعنى في حد ذاته نتيجة، ليكون اللعب حينها أِشبه ببظرها، لكل مرّة إيقاعات مختلفة، لاضوابط ولا قوانين، لا شيء إلى اندفاع مائها، تلك الحالة من اللعب أشبه بهيولى النار، بالإمكان التحديق لساعات بها دون حتى سؤال “لم أحدّق ؟ “، ذات السؤال يمكن طرحه “لم أنيك ؟ ” .

مازلت أحسد بظرها

قرأت مرّة أن الألم ظاهرة صوتيّة، لا حضور للألم دون صوت، بوصف الأخير هو المقياس، الندوب والعلامات لا تنقل الألم، بل حكايته، طبياً، الألم يوصف حسب المكان، أو حسب الشكلّ الذي يحاكيه، أوصاف الألم اصطلاحيّة دوماً، لا يوجد ألم صرف، صوت صرف، لا بدّ من نظام علامات، لا بد من مرجعية للمقارنة دوماً، الألم أصيل دوماً صوتياً، فالصراخ حتماً لا يتشابه، عمليات التعذيب تستفيد من ظاهرة الألم، هي تستفزّ الصوت، لا يهم الضرر الوظيفي لجسد المُعذب، بل الصوت هو المعيار، القدرة على إنشاد مقاطع صوتيّة بتوتر وإيقاع ما هو إثبات الألم.

حكايات الألم لا شخصيّة، تنتمي لكم هائل من الكلمات والحكايات، مسيسة حتماً لمجرد أنها حكايات، الألم الصرف، هو صوت فقط لا يتكرّر مرتين.

(صمت)

أتذكر دوما ملمس كاحليها على رقبتي، الاحتكاك البسيط إثر تحكمي بالإيقاع، أذكر أيضاً كاحلين رحلا بعيداً، وآخرين يمشيان ببطء مقتربين نحوي، وآخرين يحتكان لإغاظتي، حاولت بعدها أن أتعلم صنع الأحذية، اشتريت الجلد المناسب والقوالب وأصماغ ثم شعلة من نار لتذويب الجلد مع الصمغ،  أردت صنع معدات للرحيل، أن لا تبق كواحل تمشي دون أحذية خارج الذاكرة، استقطع من ذكريات سابقة ما يقل طولها عن متر وامزجها بالصمغ لأصنع الحذاء، أمرّن الوقت كي يلتهم الخطوات سريعاً، من أنسى إيقاعات مشيهنّ أزودهن بأحذية خفيفة، لا داع لأكثر من بضع خطوات في مساحة الدماغ، أحذية أخرى أجهزها لاحتمالات أخرى، لكواحل تتأهب العبور، أصنع جدول بعدها للمقايس، كواحل دقيقة، أخرى ناتئة العظم، أخرى اسطوانية ملساء، أخرى أشد وضوحاً دقيقة التفاصيل بالإمكان تبع منبتها وتحسس نبضات الدم التي تلتف حولها.

لا كائنات أسطورية في هذا الرحيل، مجرد إتقان لتلويحات الوداع، كي ترحل الذاكرة بلطف، بكاحل دون صوت، دون ألم.

أحاول دوماً إثرَ غيظي من بظرها، أن أخلق في جسدها سلسة من حفر، أن أكور معدتها وخاصرتها لأخلق حفرة ، فخذها وساقها لحفرة أخرى، أن أخلق دوماً احتمالات جديدة للعق، حفر لأدفن فيها الذاكرة والوقت وابتذال مساحات الفراغ، حفر للاستكانة بين عانتها ومطلع فخذها، حفر لا لشيء، للعب فقط.