عن بتر القضيب..ثقافيا!/ راجي بطحيش
|راجي بطحيش|
تنتشر في الآونة الأخيرة في شبكات الفيديو عبر الانترنت وبالتالي صفحات الفيسبوك والمثلية منها خاصة أو تلك التي تدعي الكويرية صور وأشرطة على شاكلة “طرائف من العالم” تُظهر رجالا مشهورين يسيرون في الشارع ولاعبي كرة قدم او مصارعة رومانية في حالات حرجة ..وتتمثل ببروز أو فلنقل خروج “البضاعة” قليلا عن موضعها المحدد أو ظهور ما يشبه الإنتصاب أثناء مباراة رياضية ما يستدعي نشر مواد صحفية(وإن كانت رخيصة) وفيديوهات بملايين المشاهدات، حتى أن موقع “ماكو” الإسرائيلي واسع الانتشار خصص ضمن إطار صفحته المثلية التي ترفع راية “الفخر”، زاوية يومية للموضوع أسماها “الرزمة اليومية” تُعرض فيها صورا وشرائط لرجال مشهورين عادة…ويا للعجب …يملكون أعضاء جنسية وخصيتين والأعجب من ذلك أن قضبانهم تنتصب أحيانا…وقد تكون من أشهر الصور التي انتشرت في العالم بشكل هستيري هي صورة الأمير هاري البريطاني إبن الأميرة ديانا والذي ظهر في إحدى المناسبات المصورة وقد برز قضيبه من وراء القماش “أكثر من اللازم” ما أقام الشبكات ولم يقعدها بين استغراب وفكاهة وصدمة مبطنة: من المفترض أنه أمير وإبن ديانا ولا يوجد له قضيب …ما يذكر بالجدلية المأخوذة من الإرث المسيحي…هذا إبني الحبيب الذي لا قضيب له ولا جنسانية..
يولد كل ذكر “عادة” مع أعضاء جنسية هي عبارة عن قضيب وخصيتين داخل كيس خارجي ما يحتم من ناحية بيولوجية وجود تلك الأعضاء خارج سطح الجسم وبالتالي بروزها بطريقة أو أخرى خلف الملابس كجزء عضوي من الجسم لا مهرب من وجوده هناك، تماما كما هي الحال في حالة الثديين عند النساء ولكن الأمر ليس كذلك ثقافيا وخاصة في عصر الحداثة وما بعد نشوء القوميات، فيما يسميه ميشيل فوكو “ضبط الجسد وإخضاعه” حيث القطيعة بين الجسد وأعضاءه الجنسية لتتحول الأخيرة إلى مجرد إكسسوارات معنوية يتم تركيبها فقط لأغراض إباحية / سلطوية/أسطورية لتزال بعدها ومن المستحب ألا تؤدي لحوادث تذكر بوجودها.
من المؤسف ضمن هذا السياق أن الثقافة المثلية بتياراتها المركزية، والتي استوردت من الرأسمالية البرجوازية الاستهلاكية أسوأ ما فيها كمؤسسة الزواج، والتراتبية الاقتصادية وضبط الحياة الإجتماعية، استوردت أيضا عبر ما تسمسه كورنيل “الرجولة المهيمنة” تشييء جسد الرجل وإخراجه عن سياقه التاريخي/البيولوجي.
كي نفهم تلك القطيعة التي تحدثت عليها آنفا علينا استعراض تاريخ الأزياء الرجالية في العصر الحديث ولو باقتضاب، ففي كتابها “الجنس والبدلة” تتناول باحثة الأزياء وثقافة الجسد، البريطانية آن هولاندر المراحل التاريخية التي جرى فيها ما سمته “الفصل العظيم” بين مظهر الذكور ومظهر الاناث في الحيز العام وذلك بعد تلك اللحظة التي اكتشفت فيها البشرية أن الفرق بين الجنسين مثبت بيولوجيا، فمن هنا جاءت الحاجة الأزيائية للفصل بين الجنسين لخلق رجل أبيض وآخرين، فبعد أن كانت أزياء الرجال والنساء فضفاضة وتتشابه إلى أبعد الحدود، جاءت الحاجة التاريخية الممتدة عبر عشرات السنوات لخلق تمايز تراتبي بين المخلوقات “السيدة” والمخلوقات “التابعة” وليس فقط على صعيد الجندر بل أيضا على صعيد الرجل المستعمِر والرجل المستعمَر وبين رجل الطبقات العليا والوسطى وبين الحرفيين والفلاحين. وضمن سياق التمايز المظهري كانت من أهم الثوابت التي حكمت تصميم البدلة هي بناء رجولة متفوقة ، وقورة، رصينة ومتحكمة بغرائزها، لا جنسية ..خلافا للآخرين من النساء والمخنثين والمستعمرين الذين يحملون أجسادا مترامية بارزة المعالم، حيوانية وبغرائزية لا يمكن ضبطها، فتطورت تصميمات البدلة على شكل “الحجاب” الذين نعرفه جيدا حاليا، حيث لا تهدف البدلة كما تقول هولاندر ليس فقط لتشكيل حياة يومية عملية وأكثر راحة للابسيها إضافة للبناء الجندري/الاجتماعي الذي ذكرته بل تهدف أيضا عبر أقمشتها السميكة والداكنة عادة إلى”لملمة” أطراف الجسد وإخفاء المفاتن الجنسية له وتحييده جنسيا تماما وبالطبع إخفاء القضيب وإقصاءه خارج مساره العضوي والتاريخي…ومع انتشار البدلة مع امتداد الاستعمار ونشوء طبقات وسطى بكافة أنحاء العالم، تحول القضيب وكيس الخصيتين من أجزاء عضوية طبيعية يمكنها أن تبرز في العلن مرتخية كانت أم منتصبة إلى أسطورة مقدسة خارج الطبيعة وأداة عنف وبطش يملكها الرجال الخارقون فقط عبر ما يعرف بنفي النفي….لذا تحولت قطعة اللحم البارزة من وراء القماش إلى ما يشبه فقرات البرنامج السوري القديم..”طرائف من العالم”.
ضمن سياق التطبيع مع القضيب في الفضاء العام، كنت في نهايات الصيف الأخير في رحلة استجمام مع مجموعة من عائلتي من كاليفورنيا في منتجع شهير في المكسيك وقد لاحظت أمرا غريبا جدا… فقد ارتدى كل الرجال الأمريكيين من كاليفورنيا في المنتجع الكبير ملابس سباحة هي عبارة عن شورت قصير فضفاض يحيّد تضاريس الجسد السفلى بطريقة مدروسة وعجيبة ، بينما أصر المكسيكيون وبعض الفرنسيين وأنا على التمسك بلباس البحر الملتصق الذي يبرز مفاتننا الطبيعية وتنافر أطرافنا، وذلك على الرغم من أن كاليفورنيا هذه هي عاصمة صناعة أفلام البورن غيرية كانت أم مثلية،وذلك موضوع آخر.