انتهى وقت الدوام الرسمي / مهنّد أبو غوش

| مهنّد أبو غوش|

| لوحة: مجزرة خان شيخون – عدي أتاسي|

كل ما تذكرته هو أن حلقات صفراء شفيفة كانت تتسع حول الشمس. تتحرك كلما اتسعت حدقتي أكثر.

حولي حشرجات. كان رأسي مصوبا نحو السماء. لم أكن أستطيع تحريكه. وكنت أفكر بالولد الذي في داخل المنزل. “هل سيحميه الجدار من الغاز؟”

كأني تنفّست كيسا من بلاستيك، عضلات صدري تنقبض وتتحرك بسرعة، والهواء اختفى.

زبد يخرج من معدتي فأعاود استنشاقه في قصبتي الهوائية. الذباب على وجهي، (ألا يموت الذباب أبدا؟)

الاختناق يقبض على قصبتي الهوائية. ووسط الرعب.. أصخت السمع:

سمعت صوتا بدا بعيدا وسط حشرجاتي، كان الصوت آتيا من النافذة التي تفصلني عن المنزل.

هذا صوته هو!،  يشبه صوت حيوان مذبوح، لا بد أنه الآن ينتفض على البلاط كما هو حالي على التراب. لا بد أنه الآن يبحث بعينيه عنّي.

“كم خذلتك في حياتي! كم خذلتك الآن!”

 “لماذا كان علي أن أخرج لأستطلع مصدر الانفجار؟ “

ما أذكره أنه كان مرتعبا. تركته هنالك، صرخت فيه لكي يترك ساقي، ارتجفت عيناه ثم تطلع نحو الأرض. تراخت الأصابع الصغيرة. ثم خرجت لأستطلع مصدر الصوت.

ثم اختنقت.

 ::

“ما الذي حلّ به الآن؟”

رأسي على الأرض، الشمس تحرق عيني، السماء تغيب خلف الدوائر الصفراء التي تتسع حول الشمس. يا لنعمة الجفنين!

الصوت من داخل المنزل لا يخفت أبدا. أريد أن أصرخ لأناديه قائلا “لا تخف “

 “توكّل على الله ومت بسرعة، لا تخف”.

كيس من بلاستيك يسدّ رئتي تماما. الزبد يبقبق على شفتي.

 السماء خالية تماما. خالية من كل شيء، حتى من الله. لا شيء فيها سوى السوخوي والشمس.

تنزلق قطرة من العرق المالح داخل حدقتي.

 تتزحلق على بياض العين، نحو زاوية عيني ثم تنزل. على خدي.

يا الله، انتهى انتهى الصوت الآتي من الداخل.

قطرة أخرى.. قطرات.

من زاوية عيني أرى ساقين واقفتين. إنتهت المجزرة. ماء كثير يغسل جسدي،  يقف الرجل ويرشني بالماء، يخلع عنّي قميصي، يخلع بنطالي وسروالي عن عورتي التي تحترق الآن.

حلقي مسدود بكيس نايلون. لا صوت هنالك، أحدّق في الرجل.. لو يفهمني!! أرغب لو أدقّه بحدقتي لأقول له:

“أدخلوا إلى البيت .

هو هناك في الداخل

أتركوني واذهبوا

 أدخلوا. إلى البيت”

حلقي لا يصدر سوى الحشرجة.

 الرجل المرتبك ينظر إلى الجثث التي تحيط بي ويقول “يا الله” ويصرخ.. “يا الله !” ولا يفهمني

“السماء خالية يا أخي. إخرس.

اترك الله الآن.

أنظر إلى السماء. لا شيء سوى السوخوي.

أدخل إلى البيت يا أخي.

إنه هناك.

لقد صمت الصوت في الداخل.

إدخل إلى المنزل،

إنه في حجرة النوم.

 أخرجوه من هناك واغسلوه. “

الشمس تختلط بقطرات الماء الحارق، بالسماء والسوخوي. صوته توقّف

السماء خالية.

لن يستقبلنا أحد الآن.

الصوت توقّف تماما.

 انتهى وقت الدوام الرسمي.