الأسد…حيواننا القنوع / ياسر السعدي
| ياسر السعدي|
حدث في سالف الزّمان أن الخليفة هارون الرشيد سأل وزيرهُ جعفر البّرمكي قبل أن يُقطع رأسهُ بشهورٍ عن جواريهِ في ليلةِ أُنس، فقال الوزيرُ لسيّده :
يا أمير المؤمنين، كُنت مضطجعاً و عندي جاريتان، و هما يُكبّساني، فتناومتُ عنهما لأنظر صَنِيعَهما، و إحداهما مكيّة و الأخرى مدّنية. فمدّت المدّنيةُ يدها إلى ذلك الشّيء فلعبت به، فانتصب قائماً، فوثبت المكيّةُ و قعدت عليه، فقالت المدنيّةُ : أنا أحقُّ به ! لأنني حُدّثت عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النبي أنه قال “من أحيا أرضاً مَيتة فهي له”. فرّدت عليها المكيّةُ : و أنا حُدّثت عن معمر، عن ابن عباسٍ، عن النبي أنه قال “ليس الصّيدُ لمن أثارهُ، إنما الصّيدُ لمن اقتنصه”.
فضحك الرّشيدُ ذو المُلكِ العريض حتى استلقى على قَفاه و قال :
هل من سلوةٍ عنهما..؟
فقال الوزير :
هما و مولاهما بحُكمِ أمير المؤمنين و حملّهُما إليه.
حدث في أزمانٍ أخرى، بأن قيصّراً شماليّاً كانت لهُ يدٌّ طولى في أن يتربع أشقرٌ بدينٌ عرش بيتٍ أبيضٍ عظيمٍ غرب العالم، يُقال بأن صبيان الأول قد تلاعبوا بملعبةِ الانتخابات و دجلّها حتى يصّل الثاني إلى ما وصل إليه من قمّة.
وصف هذا البدينُ يوماً ملك دمشق وصفاً مُحكمّاً فقال :
الأسدُ حيوان!
الكلُّ يعرفُ بأن الأسد حيوان!
تساءل الكلُّ بعد ذلك:
ألم يجدّ ملك دمشق إسماً ثانياً لهُ أفضل من اسم حيوان؟؟
مملكةُ الحيوانِ هذا، اضطربت و استعرت يوماً، أطفالٌ في مدينةٍ جنوب قصرهِ، كتبوا على الجدرانِ ما لا يرضى صبيانهُ فقُتِلوا و بلغ دمهم مبلغاً لم تشهدهُ البلاد.
صبيانُ الملك حوّلوا النّاس بعدها إلى مجانيّنٍ تِبّاعاً على آثر القصف و التدمير العشوائي والاعتقالات التعسفية و السّجون الوحشية.
بعضٌ منهم كانت لهم أنيابٌ ناطقةٌ بما تنطقُ به جاريتا جعفرٍ البرمكي، حدثنا فلانٌ عن فلان، عن النبي بأنه قال.. بأنه أجاز.. بأنه أراد, وصل الأمر بهذهِ الزُّمرةِ بأنهم أرادوا إعادة الخلافةِ التي كانت تاج هارون الرّشيدِ يوماً!
أناسٌ حالمون في شرق مملكة الحيوان استفاقوا في رحم الفوضى تلك و أرادوا أن يبّنوا مملكةً هم أيضاً, جزّوا رقاب مجانين الله و الخلافة, و ذلك بدّورهِ جعل كُثّراً في العالم يوقرون أفعالهم حقاً.
إلا أن هرجَ و مرج الشّرقيين في مملكة الحيوانِ لم يكن مزعجاً للملك الحيوان كمرج و هرج مجانين الله, فكان الرّجل عارفاً بأن هؤلاءِ لا يشكلّون خطراً على عرشه، و كيف لهم ذلك و لهم أعدّاءٌ خارج مملكتهِ سيتكفلون بأمرهم ؟ أما بالنسبةِ لموضوع سيادة البلاد من عدمها, فالرجلُ منذ زمنٍ قد حوّلها إلى بيتِ دعارةٍ دولية.
حارب العالم مجانين الله بأيدي الشرقيين الطموحين في المملكة فوق الأرض حتى ظنّ الشّرقيون بأن العالم أخيراً سيعترفُ بمملكتهم و نسوا تماماً بأن العالم شارعٌ للجميع و ليس لأحدّ.
وصل بهم الأمرُ بأن صافحوا بديّن البيت الأبيض و رحبّوا بجنودٍ أرسلهم لهم, ظنّاً منهم بمكاسب اعتراف قادمة, لطالما كان حلم أبناء الجبال بأن تُغنّى أغانيهم فوق جبالهم .
بعد أن قضى الهارون مآربهُ من جاريتيّ وزيرهِ بشهور، أباح دم رأسهِ ليكون مُرّاقاً على مرّ العصور.
بعد أن قال العالم بأن مجانين الله قد أشبعوا موتاً وسجناً تخلى بدّينُ البيت الأبيضِ عن الطامحين الشّرقيين و جعل أرضهم مُباحةً لسّلطانٍ جشعٍ يقعُ ملكهُ شمال قُرّاهم و بلداتهم.
البدينُ لم يتخل عن مصالحهِ هناك ببساطةٍ هكذا, حدّث حوارٌ آلهيٌّ أقنّعهُ بذلك, ابتدأهُ بدينُ البيت الأبيضِ المدّنيُ قائلاً لسلطانِ القرود :
من أحيا أرضاً ميتةً فهي له و أنا من دعمتهم في حربهم ليحيا مُلكهم و تحيا أرضهم .
فرّده عليه سُلطانُ الأستانةِ المكيُّ قائلاً:
ليس الصّيدُ لمن أثارهُ، و أعلم أنك أنت من أثار صيد مجانين الله, إنما الصّيدُ لمن اقتنصه و مدافعي أقربُ لهم من مدافعك!
وصل حديثهم هذا إلى آذانِ قيصر الشّمال فقال لهما :
خذا ما شأتما فليس ليّ ودٌّ بنفط شرق مملكة الحيوان و أنا أملك موانئ أرضهِ و نفط بحرهِ.
أما شّاهُ الشّرق الأبعد المضحكُ الشّكلِ فأدّلى بدّلوهِ هو الآخر بصفتهِ مالكاً لعصاباتٍ تُحارب فوق أرض مملكة الحيوانِ لصالح الحيوانِ منذ سنين و قال مُردداً ما يقولهُ سيده :
عندي ما يكفينيّ أنا أيضاً كسيّدي و أرى أن أمر الشّرقيين يجب أن ينتهي حتى لا يصيح إخوانٌ لهم في أرض ملكي .
وافقهُ سلطانُ الآستانة قائلاً :
و الله لهذا أريد غزّوهم! حتى لا تطوّل اظافرهم علينا!
ضحك قيصر الشمال على ما قالهُ الأخير وعلى الشكل الأول الببغائي فرّد على السّلطان:
و الله لهذا نُحبّك! حتى البدين الذي تتخاصم معه يحبّك في سرّه, لأن لسانك يشبه لساننا له وجهان, قد سمعنا ما قالتهُ للناسِ بأنك ستفتحُ حدودك لللاجئين من مملكة الحيوانِ ليدخلوا حدائق امتلأت بهم و لا تريد المزيد منهم، نعرف بأنك وطنّي و إنسانيٌّ أيضاً مثلنا تماماً و أنك غير طامعٍ بأيّ نفط, خذّ ما تشاء!
أحمّر وجهُ البدين حنّقاً, نظر إليه القيصرُ و أسّر هامساً في أذنه :
لا تخفّ لن ينسى السلطان حصتك كما لن ينسى حصتي أبداً لكنه يتكلم هكذا حتى لا يعلو خوّارُ شاه الشرقِ المُضحك.
أخبر القيصرُ وكيل مُلكهِ في دمشق بكل ذلك مما أطرب مسامعِ الحيوان في دمشق، حكمتهُ كانت تعرفُ بأن نهاية الشّرقيين لن تكون على يدّه فهناك من لا يُطيق علّو شأنهم أكثر منه، فسلطان الآستانةِ سيبتلع أرض الحالمين الذين لا يطيق علّو شأنهم أبداً لأن في أرضهم نفطٌ وفير يجب أن يكون مُتقاسماً بالعدل كما تتقاسمُ أربعُ بلدانٍ أرض الكُرّد.
ضحك الملك الحيوانُ أيضاً في قصره بعد أن أخبر وزرائهُ و جواريهم عن حديثِ الآلهةِ و الأنبياء ذاك ثم أضاف قائلاً:
ألم أقلّ لكم بأنني أعلم ما لا تعلمون؟ لعمري أن خسارة أرضٍ و شعبٍ و نفطٍ ليست شيئاً أمام مُلّكي الذي خُلق ليدوم.
حيوان المملكةِ سواءً كنّا شرقيين أم غربيين, قنّوعٌ حقاً لا يريدُ سوى عرشهِ ومرّتعاً لصبيانه ليس أكثر.