الضجر رجل لا قامة له / صهيب أيوب
| صهيب أيوب |
اللوحة: Beach play/ Prej Unik
الضجر رجل لا قامة له. اضعه في سحابات بناطيلي. أخفيه. ربما لأني لا أريد لأحد أن يلحظه. او ربما كي أبقيه بلا هوية. أنه يشبهني. هاوية متنقلة. لا أماكن لها. تتساوى مع الدبق الذي يتذرره العابرون، اؤلئك الذين يلتقطون لأنفسهم صوراً من الـ”سيلفي”. ويمضون. يمحونها فيما بعد. انا تلك الصورة التي يمكن ان تمحها بلا ندم. صورة مغبشة، تظن لوهلة ان لا قيمة لها. بلا ملامح مسبقة. مهتزة. انها هاوية. تسقط فيها الاشياء واللحظة التي لم توثق حينها. لكنها شيء يحتمل الشك، والذنب، والمرارة. انها ثمن زمن لم يسعفه احد كي ينضج
***
أنقل الضجر بين الكتب المرفقة في شنطي القماش. لدي تسعة منها. ملونة. تتسرب خطوطها الى الأرصفة. ليس لدي ملامح أخرى لهذا الضجر، سوى أنه نزق. يمرر اصابعه فوق كتفي، ويقرصهما. انه قاس. ليّن أيضًا، كي يبدو بهذه المرونة في التنقل معي. في الضبضبة بسرعة، بين حاجياتي القليلة: علبة مناديل ورقية، سماعات هاتف نقال، “سي دي” لفيفالدي، وخيبات لم اعد أذكر متى صارت هنا.
***
لا أملك اصدقاء، في هذه المدينة. ربما النادل الوحيد الذي يستلطفني اسمه شارلي، يستلطفني ايضا لأني اترك له بقشيشاً. اعرف وجوها كثيرة. اثرثر معها. لكني لا اضع يدا لأحد. ماهر في خلق المسافات. غير الآمنة طبعا. هذه المسافات التي ابعثر فيها كل الاحزان المقيتة التي لا ادركها. ولا حد لها. انها أكبر مساحاتي الأليفة. المضمرة والأنيسة.
أحيانا لا أنام. احيانا اخرى أسهو. لكني لا اعرف نوما. ذاك الذي يشق طريقه الى الرأس. فينقص قلقه. ولا اقراص مهدئة لي. لا املك صوتا عاليا. بل كل هذا الصمت، المثمر، الذي يمكن أن يتحول الى نوبات هلع في الليل. الى أحلام ناقصة. الى الآن املك جدران متنقلة. لا بيوت. لا ايد باسقة او ملساء، او عنق تمتد في آخر الليل، كي تنظر اليّ. تلقي نظرة واحدة. وهي كافية بحسبي.
انا ضجر، من الوقت. من كل اموري اليومية. الميتة منها والحية. تلك اتي انجز بعضها على عجالة. او تلك التي اوثقها بالصور. او تلك التي اؤجلها. التأجيل الذي يصبح آليا مثل مقصلة. يقطع اليد والقلب وأوتار الروح.
***
اشاهد فقط. كومة عدسات في قلبي. اكدسها. تتراكم فيها روائح المارة ومطارداتهم. يومياتهم المتعطلة. مآسيهم الناطقة. تلك التي يتخففون منها في جلوسهم او ركضهم او عبورهم بلا ذنب. انهم يعبرون بلا ذنب. أما أنا فمثقل بالذنوب. اتخفف منها، وأحاول. لكن لا شفاء منها. انها ندوب ناتئة.
لا املك شيئا كي اقوله لهذا العالم. سأكتفي بأني صوت وقع في برية هشة.
وينك يا صهيب ؟ 😦
إعجابإعجاب