كيف تقتل الله ! /يحيى القوزي

| يحيى القوزي|

|اللوحة: رنا لطفي- فنانة سورية |

البارحة رماني أبي من الطابق الثالث إلى الطريق في كاراج المبنى كدمية عارية. كلّ ما فكرت به أثناء السقوط هو ستر عورتي التي بانت لي حينما سقطت من الأعلى إلى الأرض، وكم من الوقت سيستغرق تحضير القهوة في العالم التالي؟ لا تصدّقهم حينما يقولون لك سيمر أمام عينيك شريط حياتك قبل أن تموت.

أنا لم أفكّر إلا بالوقت الذي سيأخذني كي أهبط على سيارة الحاج أبو علي الصدئة.  البارحة كانت كلّ الأشياء تسير كما كُتبَ في السيناريو..تُرى هل غيّروا محاورات أبي وأوراقه؟ قرأت كلّ الأسطر قبل ولادتي ولم ألحظ أنني سأرمى، لذلك سمحت لهم بأن أولد. لعلّ أبي لم يعجبه الحوار الآن أو أنّه ملّ من هذه المسرحيّة بعد 70 سنة متواصلة من التمثيل. أو أنّ الله قدّ وسوس في عقله في خطبة الجمعة. أكيد هو الله! يا ليتني قتلته قبل البارحة.

  لم أرد أن أقتل الله في البداية. لكنني مللت من البحث عنه حتّى عرفت بأنه ورائي؛ يلاحقني دائما، يأكل من صحني، ينام بسريري، يمارس معي الجنس ويوسف، يشرب نصف كوب النبيذ خاصتي، يحتسي قهوتي ، يسبقني إلى بيت أبي لزيارته، يقف على قبر أمّي ضاحكا، مللت العيش مع الله يخطّ لائحة الممنوعات والمستوصفات الخيريّة والمساعدات الغذائيّة و أفلام الرجال المتبنين للجرائم  بلحية كولبي كيلير وهو ينتشي في مؤخّرة مشعرة.

يشاهد معي الأخبار، يترأس جرائم الصحف. أراه في أعين الصائمين عن الطعام ،الجائعين   وأعين الذين يهددون بالدين والموت والنار التي توقد حياة الكثيرين. يتذمّر من الفودكا ولعق القضيب ومن رفقائي يحضنون النساء للتحيّة ومن شعر جارتنا يطير في الهواء ومن لباس معالجتي النفسيّة القصير. يبيت تحت وسادتي، يعطب أحلامي.

وفي ليلة كان بها ساهيا ينتظر جارتنا ل”تزني”، هززنا عرشه بقبلة واحدة، وسقط من الأعلى.

ماذا الذي دفعني إلى هذه الفعلة؟ لم قتلت الله؟ ألم يقولوا لي لا أحد يهزم الله!

كان متوقّعا أن يرميني أبي من هناك البارحة، جيش الله ثار، لعلّه لم يعرف كيف هي الحياة بدونه، أمّ أنّه نجا من سقوطه ذاك، كما نجيت أنا اليوم.

أصبح الله صامتاً..

يعجبني صمته المطبق في طريقنا إلى ضيعة يوسف، ألست غاضبا مني الآن؟ أم أنك تحضّر شيئاً مع سائق الباص وهو ينظر إليّ كيف أقبّل يوسف على خدّه! أم أنّ قبلة واحدة لا تُفطر!

–       أعرف أنني لست الله، هل أنت؟ لا تكن سخيفاً؟

–       الله؟ الله؟ رب الجميع؟ لا تكن سخيفاً؟

(ألن غنسبرغ، الموت و الشهرة، آخر الأشعار، 1993-1997 ) 

لم تنته  معركتنا، يوما ما، سأعرف كيف أقتل الله دون أن أجرح مشاعره.