ولقد همتُ بِه/ يحيى القوزي

| يحيى القوزي |

أدخُلُ منزله!  يتكئ رأسه وينظر إلى الكاميرا، نتكلّم عنه.

ينعكس في وجهه ضوء خارج من بروجيكتور سينما على الحائط يعرض فيلماً قديماً بالأبيض والأسوَد، يعدّل نظّارتيه، يمرّر أصابعه الرفيعة على لحيته ثم يمرّر يده وراء رقبته وينظر إلى الكاميرا، يبتسم.

كم هو جميل عندما يبتسم!

يحكّ خصيتيه وقد بدا قضيبه متعاظما كانتفاخ الكرة الأرضيّة.

ينهض من مقعده، يمرر يديه على مؤخّرته وقد بانت تفاصيل “آندرو كريستيان” تحت قميصه الأبيض المشدود.. يتوجّه إليّ، أبادر بلمس جسده، يديه، رقبته، شعره، صدره، إستدارة مؤخرته القاتلة، تقترب شفتيه ، شفتاي ترتجفان، تدخل الغرفة إمرأة..

لا تتغير الأشياء.لا تتأخر، لا تتقدم. ترقد الأشياء، تنحني، تتّسع.

لا تعتريه أدنى فكرة عن المرأة؛ يعرفها، لا يعرفها. معها يصبح بكونيّة ولا كونيّة في آنٍ معاً. الكونيّة الشيكسبيريّة طبعاً!

أصبحت الغرفة مظلمة أكثر عند دخولها؛ ذاك المخلوق المشبّع بالإستروجين. كأنّها تُغرِق الأشياء البسيطة ببحر من الغموض. أن تصبح الحياة عميقة لا يعني أن تتحوّل إلى حال أفضل!

معظم الأشياء الجميلة تكون بسيطة، سطحيّة، مسطّحة، و الأهم: سهلة الإستيعاب.

لكنّه يحبّ العمق.

تدخل بعينين واسعتين، يدين رفيعتين، انامل طويلة، كعب نحيف مرتفع، رداء أسود قصير يلمع، شعر أحمر مرفوع، شفتان حمراوتان داكنتان  تقذفان إلى الفراغ. نهدان يملآن فراغا كبيرا كاد ان يتّسع لكلّ أشيائي. تضيق الأشياء هنا، ينقبض الهواء، تهبط السماء، تصبح الغرفة قبراً ضيّقاً باحتمالات واسعة.

لكنّه يحبّ القبور؛ كويميتروفيليا.

ترتشف جرعة مفرطة من قنينة النبيذ الأحمر، تقترب بطقطقة كعبها نحوَهُ ، بنظرة خافته ومشيةٍ بطيئة بفيلمٍ صامت. لا تعترف مخاوفنا بجمال الأشياء التي تخافها.

تقترب ،صاحبتنا التي تعمّدها الظلام، من الهواء الذي يتنفسّه. تقترب إليه أكثر من إقترابه لنفسه، لا ضوء بينهما. لا صوت للصوت. قبلة ترتقي على شفتيه، تتبارك شفتيها بنبيذ شاربيه. دائما ما تحدث الأشياء الحقّة وراء الكاميرا الموجّهة نحونا.

وتسقط زجاجة النبيذ الأحمر “كسارة” من يدها نحو الأرض بسرعة بطيئة جداً لا ينتبه لها غيري.. في البداية خلق الله زجاجة النبيذ، و في اليوم الثاني وضعها في يد إمرأة، و لم يمض اليوم حتّى سقطت من يدها بعد قبلة من يوسف. في البداية أسقطته من الجنّة إلى الأرض و الآن تسقط نبيذا معتّقا مئة سنّة جهد عاملو الكرم في البقاع لجعله أفضل الأنواع و ألذّها. لا يكترثان لبطء سقوطها. أن تسمع صوت احتكاكها، وحدي تراودني عظمة ذنبها!

يغوصان بنشوة أنا الوحيد أتحسّر بأنني أتفرج عليها.. فأن تحبّ شخصاً حبّاً حقيقياً يحتّم عليك جعله فرحاً، وإن كان هذا فعلاً صامتاً مثلاً.

 لا تتوقف سمفونيّة التقبيل. أثناء تكلّمي معكم، بل تنجرف يداهما لتحسس جسديهما بلطافة ثمّ بعنفٍ خانق. مستحيل أن يكون من خلق دماغنا لم يعطنا الصلاحيّة على إستعماله. وها نحن نبحث عن عقيدة تفصّل قبلة تملأ رقبة ملتحي بأحمر شفاةٍ مستتر تحت طبقة عازلة من القماش في بوتقة صامتة من التفريغات المنتجة لكائنات بشريّة تتسع لكلّ الأفيون الذي تكلم عنه ماركس.

ستتفاجأ إن علمتَ قصّتها التي لم يعرفها الكثيرون ؛ مدى براعتها بإستخدام الكلمات، كيف تهتاج الحروف بين أصابعها لترسى على أوراق لطّخها النبيذ وقليلا من رماد السجائر- تبيعها للشيخ عبد القادر كلّ إثنين ليتدرّب على كيفيّة إلقائها كلّ جمعة على المنبر أمام الخفر. وما زالت يداهما تنجرف نحو الأعمق.

هناك غموض وتعتيم عميق حول النساء وأعضائهنّ _ تماما كمثلث برمودا. لا أحد يعود من هناك أو يُسمع عنه خبر. لا نستغرب عندما تشرح لنا إيڤ إنسلر الشبه بين المعابد ومهبل المرأة. خطّ طويل حتّى بلوغ المذبح، او المنبر يمثّل عمق المهبل. الأبواب، ومن ثمّ هناك الرحم؛ المذبح حيث يلد الذكر اولاده! لعلّنا نحن الذكور تمادينا في الإنجذاب لذكوريّتنا و أعطينا الأولوهيّة و الشعائر الدينيّة طابعاً ذكورياً بإمتياز.

تخلع عنه قميصه ويبقى بجسده الذي شاء ضوء من الأسفل أن يضيئه فيبدو كإله إغريقي تعثّرت المصائب قبل وصولها إليه. ها هو يركع منتشيا ليمتصّ كعب حذائها الرفيع.

 تسحب علبة الحشيش من بين ثدييها وتشعل سيجارة بينما يلحس كعب رجلها وهو يتصبّب عرقاً.  لن تكون الخطوط الإستوائيّة عادلة بعد الآن، ولن تطرق قلوبنا لتشهر الحياة بعد اليوم. يا ليتني لم أكن هنا. يا ليتني لم أكن أبداً.

تخلع عنه نظاراته، تخلع  ربطة عنقه بعد جرّه نحوها بها، تخلع عنه قميصه الأبيض الذي وقعت عليه قليل من شعيرات لحيتي، ترتجف، يلهث، يخلع عنها كلّ الأسود. يبقى لحماً رخيصا وأبيضين. تختفي تحت صدره، تمرر أظافرها الحمراء تحت فانيلاته، يصرخ منتشيا من ألم الخربشة ، تخلع عنه قميصه، يخلعها الأبيضين.  يرتعد بكلّ أحاسيسه، يثورـ ثائر- ثار- ثور. يخلع زناره، يلفه حولها ويضغط صدره المشعرّ على ثديها الذي بدأ  ينفر إلى الفضاء، تخلعه كلّ ما عليه، كل ما لديه، تخلعني.

و لقد همّت به .. و همّ بها

ينفر وريده، تعوي رجولته، يستغيث  بشهوته لأعلى سماء. يفترسها وتمتطي علياءه. يهبط داخلها كبحرٍ عثر لتوّه على شاطئ.

ينظر إلي.

يبكي،

تضحك.

يعتريني خوفٌ مما سوف يحدث، خوف من المرأة، بالإجمال “غاينيكوفوبيا” و الخوف بأنّ لا شيء سيحتويك كما احتواني هو.

يرفعان جسديهما عن الأرض دون مساعدة الآخر، فالجنس الذي أقيم للجسد الجسد ليس له ثقلاً أو وزنا. أمّا الجنس الذي يقام للجسد الروح فذاك له ثقلا روحيّاً يهدم كلّ صقالة تعتري حاجز الجسد، فيصبحان جسدا واحدا بقلبين ينبضان على وتيرة واحدة و صوتين يشهقان بعمق فيسمعهما مولوخ، نيتشة، ويتمان و الإمام جلال الدين الرومي.. و يتقبّلان صلاتهما المنتشية إلى أعلى سماء.

تنتهي سمفونيّة العناق و القبل الشرهة.. يقبّلها على خدّها الأيمن بينما أدير له الأيسر ،تعطيه رقمها الذي  حرَصَت على كتابته على كرتٍ ملوّن بخطّ فنّي مع بريدها الإلكتروني. لا تلبس جزمتها، هي تحملها .. تنزل السلالم برجلين ملطّختين بالنبيذ وثوبٍ أسوَد و شفتين لا تزالا تمتصان عطشهما للمزيد من المغامرات.