“حين أمصّ، كأني أنبش روحاً” / صهيب أيوب

|حين أمصّ، كأني أنبش روحاً|

|صهيب أيوب|

من سلسلة “خدش الحياء العام: انتصابات بوجه السلطة.”

لم أكن اجرؤ على السماح لهم بالنظر الى كرشي الصغيرة المندلقة. جربت مراراً خسارة وزني، لكني قليل الحيلة امام الطعام. فكنت أبقي للعتمة ان تنقذني. وحين تعلمت سحر الضوء والنظر الى العينين، لم اعد استحي أن يكون كرشي منفلتاً في الفراش، او ان يرخي هؤلاء قضبانهم الطويلة عليه.

لم احب يوماً رائحة المنّي ولا “طرطشته” الكثيفة وأكره تلك اللحظات التي اضطر فيها الى تنظيف جسمي من نقاطه. كنت اسرع الخطى نحو المغسلة كي ازيله عني. تعلمت مع الوقت ان اتعرف الى خصوصية المنّي وما يخلقه من حالة لدى قاذفه. تلك الرعشة الساكنة التي تدفعهم الى التشبث بك. كأنهم في خسارة هائلة يحاولون عدم الموت.

في احدى المرات، حين نمت مع احدهم في غرفة أمي، صار يسألني بإلحاح عن سبب اختياري لغرفة نوم والدّي. لم أجبه، علماً أني لم أملك تفسيراً نهائياً لاختياري الدائم لغرفتهما. قال لي أنه يحس أنه يستحي فعل هذا الامر على سريرهما، خصوصاً ان “آية الكرسي” كانت تتربع فوق السرير الواسع النظيف، الذي كنت اهتم دوماً برشه برذاذ كولونيا فرنسية الصنع. لكن حين كان يقذف أيره على بطني يخفض رأسه على رقبتي ويشتمها ويتأوه كأنه يلد. كنت احس بنشوة عارمة وانا اسمع آهاته الرقيقة تدخل أذناي. دوماً ما كان يذكرني براشد الذي كان اول حب غريب عشته. قذف في فمي، وهو يتأوه بصوت وديع. اول واحد تركت لمنيّه ان يسوح بين أضراسي، رغم أني كنت لا أزال اضع مقومّ الأسنان، لكني أعترف أني أمص بشكل جيد، وكأني أنبش روحاً دفينة من جسم من معي.

أول مرة مصصت أير شاب في حارتنا يدعى احمد سعدية. اخذني يومها قرب مسجد الوديع، الذي كان للصدفة مسجداً للسلفين في محلة القبة، ومنه خرجت دفعات من الشبان للجهاد في العراق. كنت في الثالثة عشرة من عمري، واتحجج أمام أمي كي تسمح لي بالنزول من البيت بين صلاتي المغرب والعشاء بالذهاب لرمي النفايات والبقاء في جلسات قراءة القرآن مع الشيخ ابو حذيفة والتقي بأحمد.

كان يحب ابنة جيراننا في الطبقة الثانية وكنت اتلصص عليه، وهو يعابثها من الرصيف المحاذي لبيت ام مصطفى الذي كانت تتدلى من حديقته ورود جورية وحبات الأكادينيا. أبقى اراقبه وهو يسحب منشفته الكبيرة امام باب شقتهم عارياً بكتفين مصقولين وشعيرات حادة، كانت تجذبني متخفياً وراء كتاب التاريخ من الطبقة السادسة لشقتنا. كنت أخفض رأسي كي أمص له. بقيت مدهوشاً للحظات أني معه. لا لشيء سوى لأني لم أصدق أني مع هذا الشاب الفارع الطويل صاحب الابتسامة الشرهة، الشبيه لممثلين ايطاليين لم أعرفهم يومها، حين كان لزاماً في بيتنا الاستماع الى خطب الشيخ الضرير عبدالحميد كشك. كنت ارتعب من خطبه التي تذكر بالنار. فكنت أركض حال انتهائي من احمد سعدية الى المسجد كي أعوض اخطائي بالتقرب من الله والطلب منه ان يسامحني. كنت اخاف من ان يأتني ليلاً ويقبض على روحي، وتزيد ارتباكاتي في الليل قصص المغامرون الخمسة، واتذكر وجه ابو العيون السود في احد اجزاء السلسلة، سوداء فاحمة تقتحم جسمي النحيل.

لا أنسى طعم أير احمد سعدية في فمي الى اليوم. كنت ارتدي له افضل بيجاماتي يومها، والتي جاءتني هدية من احد اقاربنا بعد دخولي المستشفى. استحم كأني اتحضر لصلاة يوم الجمعة في مسجد الرحمة، وامشي قبله بخطوات الى مكاننا. كان يرغب دوماً في حمايتي في الحي. يراقبني حين اشتري اغراضاً لأمي ليلاً، وينتظرني في الشارع الى حين وصولي الى مدخل بنايتنا. قلما اخبرني عن حكاياته مع ابنة جيراننا، فكنت احس انه يخصني بحبه ولا يريد أن يجرحني. يقبلني على فمي بشفتين مكتنزتين. أحسست يومها برغبة كبيرة في الحياة، كأنها تتسرب من بين فمه، وعينيه الجميلتين وهما تلاحقان عجزي وحيائي واحساسي بالذنب أني أفعل شيئاً خاطئاً. كان يقطف لي زهور الاكادينيا، ويشتمها أمامي وهو يردد “اللهم صلي على محمد”. اهرب خجلاً وقلبي يدق سريعاً الى شقتنا. اجلس لساعات احمل الزهرة بين يدّي. أمعن النظر اليها، اتخيل نفسي في حضنه. ألمس شعرات صدره التي لم اكتشفها الا بلمس قليل موارب.