اشتغالات ذاتيّة على رُقعة فارغة/ عمّار المأمون
اشتغالات ذاتيّة على رُقعة فارغة
|عمّار المأمون|.
|الصورة للمسرحي جّبار محيبس يرتجل مشهداً وسط حرائق شارع المتنبي في بغداد عام 2007|
-1-
قمرٌ، نِصفُ مُكتملٍ ونِصفُ غَبيْ ينعكسُ ضوؤهُ على بناءٍ هائلْ، أنا أقفُ عارياً أهرشُ أعضائي التناسليّة وأتأمّل انعكاسه على النوافذ المقابلة.
“الوَجبةُ التي أكلتُها منذُ يومينْ لمْ تُهضم حتى الآن، كانَ خطأً أنّ أستخدمَ الكثيرَ منَ الزيت”.
أتأملّ ظِلّي على الشباكِ ونصف ضوءِ القمر يحاولُ تجنبه، أطفالي في كلِّ مكانٍ يتهامسونَ عنْ سببِ اختلافِ الحرارة والرطوبة والابتعادِ عن الجدارِ الذي اعتادوا أن يقطنوه.
هناكَ من يشبهني، خمسةُ أوجهٍ تحملُ نفسَ الخصائصْ، خمسُ أوجهٍ تَطبعُ النّوافذ بذكرياتٍ لا تشبهني.
-2-
أنا الرّاوي الذي يعلمُ سيرَ الحبكةَ، أظهرُ على خطوطِ التّماسْ:
“كانَ خطأُ أوديب أنّه اختارَ طريقاً غيرَ الطريقِ الذي من المُفترض أن يَسلُكه، كان حراً، لكن، ساذجاً، أوديب لم يعرِف العواقب، – الرّاوي على الحواف، يَعرف الطّرقينْ، العرّاف الذي يَعتمدُ عليه مُبصرْ، وأخبرهُ كلَّ شيءٍ حتى قبل أنّ يختار-، أوديب لا يحمل مسؤولية ما فعل، هوَ أكثرُ راحَةً، ينامُ ليلاً بعمقْ، يتلمّسُ نَهدي والدتِه، ثم يهرش أعضاءُه التناسليّة، لذلك فقَأ عينيه -حين اكتشف الحقيقية-، ثم رّحل عنِ المدينة. -الرّاوي يَعلمٌ ما سَيحصلْ، لن يفقأً عينيه، لهُ حريةُ اختيارِ الطريقِ ونهايته-، الرّاوي لن يكون أسطورةً كأوديب، بل مجرد شخص اتّبع الصواب.
ما زِلتُ أَهرُش أعضائيَ التناسليّة.
-3-
لي صَديق وَصفني بأنّي (عاهرة)، أمتلكٌ كلَّ أسلِحة اللّذة، أستخدمها حين يفشلُ المجاز، الصديقُ ذاتُه وَصف رولان بارت بأنه رومانسي، لا ألاعيبَ بيننا:
- هو: “أنتَ عاهرةَ، تَمتلك حقيبةً مليئةً بالأدواتِ البنفسجيةَ والكَلماتْ ذاتِ اللونِ الورديِ المحمرّ..”
- أنا: ” لمَ تُحدثني إذاً..؟”
“صَمت لأربَعة أيّامْ”
- هو: “يَضعونَ على صورتِي أنفاً كبيراً ..ثم يضحكون”
أُصافِحه راحلاً، حينَها، اكتشفتُ أنّ جارُه هِندي، يُلقيان تحيّة الصباح على بعضهِما ثمّ يَنصحُني بالشعرِ الأمريكيّ.. أتَجهُ نَحوَ مَنزلي.
- هو: –بلَكنةٍ ثقيلّة- ” بوكوفسكي ليسَ شاعراً”.
صَديقيَ ذاتُه نَصحني بأنّ لا أَهتم.. كلُ شيء قابلٌ للتأويل، لا يُوجدٌ غُولٌ داخلَ الخِزانةَ، ولا تحتَ السريرْ، هيَ صورٌ لك.
-4-
اكتشفتُ أنّ لِي ذاتَ الأصابعِ التي يمتلكُها أبي، نحيلةَ، غيرُ معتادةٍ عَلى العملِ القاسي، لا تَصلح لأنّ تكونَ ارستقراطيّةً ولا عامِلة.
اليوم أرسل لي أبي ثلاثَ علبِ دواء، ” قد تَمرض..”.
لمْ أفهمْ، هّل هي دُعابة ؟، أنا لستُ في الصحراء، العلِم تَطوّر لدرجةِ أنّهُ بإمكانِنا أنّ نَرى القضيبَ الذكريّ يقذفُ داخلَ المِهبل ثم التّرويجُ لذلك بوصفهِ فيلماً إباحياً.
- هلْ يرى أبي أن وَجع الرأس أشد خطورة من الجوع مثلاً، الطّاعون، الاعتقال المفاجئ، ذبابة النوم.؟
- هل تؤلمُ تِلكَ الكاميرا حينَ تثبيتِها في مقدمةِ العضوِ الذكريّ.؟
- هلّ فعلاً هُناكَ فتاةُ جاهزةُ لمضاجَعتك إنِ اتصلتَ بهذا الرقمْ.؟
-5-
أَصبحتُ أنسَى، أَقلُ اهتماماً بالتفاصيلْ، ما يُغريني هو كوبُ القهوة صباحاً، لأجله أنام ليلاً، وقبلةٍ مُرتجلة.
أَصبحتُ أَنسَى، أَسماءَ الأماكنْ، أوجُه الأشخاص، كلماتِهم، لمْ أعُد اهتمُ بِما لا يتجاوزُ الدّغدَغة.
الكتابة عنِ الذاكرةَ لمْ تَعد مُجدية، بعضُ التفاصيلْ تُحفظُ سِراً، في الزاوَية اليُمنى مِن الدِماغ، ثم يَستثنيها بـ” حتّى”. ذِكرياتُ المدينةِ الجَديدةَ ستحتّلُ مساحةً أَكبرْ، المدينةُ التي مَضت، أَصبحتْ عُصوبانتٍ ضَامرةْ، لا أدريّ كيف أُحرِّكُها.
- أنا: “صُورةُ جَدتي تَحولتْ لِمربعاتْ”.
- هو: “صّمت حتّى هذه اللحظة”
-6-
اشتريتُ كَفيينِ بلاستيكيينْ لغَسلِ الصّحونْ، لمْ أستطعْ نَزعَهما، ببطءْ، تحوّلا إلى طبقةٍ بلاستيكيةٍ تُحيطُ بِجسدي، هكذا شّكلكَ هُنا، تَستطيعُ تَحديدَ الأحجامْ، الانحناءاتْ، لكنّْ، ذاتُ المَلمَس، لا تَستطيعُ اختراقَ البلاستيكْ.
محاطُ بِكلِ ما أريدْ، لكنّي لا أستطيعُ تلمسَ هَذهِ الكَلماتْ، الكفوفُ البلاستيكيّة تحجبُ المَعنى، بإمكانكَ الإشارةُ إليهْ، لا تلمُّسه.
-7-
شباك (1):
أم وأب وابنتهما، لا يُمنعان النظرّ إليّ وأنا أهرشُ أعضائيَ التناسليّةَ كلَ مساءٍ أمامَ ضوءِ القمرْ.
شباك (2) :
غُرفةُ طفلٍ صغيرٍ تَحوي منبهاً، كلُ يومٍ يَرنُّ ليلاً، تَتَسلّلُ الأمُ للغرفة، تَفتحُ الشبّاك، الطفلُ ينتظرُ مغادرتَها، ثم يُغلقُ الشبّاك.
شباك (3):
مكتبُ خاوٍ.
شباك (4) :
أسرةُ مِن البُدناء يجتمعونَ ليلاً، يشاهدونَ التِلفاز ويأكلون الفستق المُمَلح.
شباك (5) :
شابٌ نَحيل يَقفُ كُلَ يومٍ أمامَ النّافذةِ ويَهرشُ أَعضاءهُ التناسليّة -ذاكَ الوجهُ يُشبهني-.
-8-
أَدركتُ مَعنى أن تكونَ شاعراً، أكثِر الصَمتْ، أطرحْ أسئلة، اكتُب بذاتّ المسافاتِّ هذه، روّض نفسكّ أنّكَ لا تّملك شيئاً.
- “ليسَ مِن داعٍ لأنْ تَكونَ جَميلاً كي تكونَ شاعراً، لكن لا تَكن بديناً”
-9-
– هو آخر: “هّذِه الكتابة لا تَحملُ أيّ مَعنى، أين الحكاية..؟”
“صمت”
إن عَجزتُ عَن إيجادِ حِكاية، سأؤلفُ مُعجماً.