The Liberator / شيخه حليوي

 (قصّة حلم)The Liberator

 |شيخه حليوي|

لا أعرف كيف امتلكتُ الجرأة كي أقولَ لهُ مباشرةً:

سأكتبُ قصّتكَ.

كانت المرّة الثالثة التي لمحتهُ فيها خلال إقامتي في ذلك الفندق الساحليّ يجوبُ قاعة الفندق مثل مُحارب لاتينيّ ساحر خرجَ لتوّه من فيلم The Liberator، بفارق السّلاح والزيّ. همستُ لنفسي: لكلّ عصرٍ زيّه وسلاحهُ، أمّا الحريّة فهي واحدة في كلّ العصور والحروب أيضا. كان يضحكُ ويغمزُ بعينه ويلمس الأكتاف المكشوفة برقّة، ثمّ يميلُ على إحدى المُسنّات الشقراوات ويهمسُ لها شيئا، تضحكُ بدلالٍ وتعطيه يدها ليسحبها نحو حلبة الرقص الّتي تتوسّط القاعة.

يراقصها بمهارة مدرّب رقص محترف، يتحرّكُ بخفّة وأناقة وما أنْ تنتهي الموسيقا لا ينسى أنْ يقبّل ظاهر يدها وينحني أمامها مصفّقا. يعودُ بعدها لدورة أخرى من الغزل والرقص.

سأكتبُ قصّتكَ. قلتها أردُّ على تحيّة منه تتلخّص في إمالة رأس رقيقة نحوي.

ابتسم كمن لم يعد يفاجئهُ شيء في هذا العالم.

  • أنتِ كاتبة؟
  • لست كذلك، ولكنّي أحاول أن أكتب.
  • لا تعرفينَ الكثير عنّي.

صحيح لا أعرفُ الكثير عنهُ، لا أعرفُ شيئا تقريبا، ولكنّي سأختلقُ تفاصيلَ مُثيرة تشبههُ. هكذا أكتبُ عادةً. كان عليّ أن أقولَ لهُ: “سأكتبُ قصّة عنكَ” تختلفُ كثيرا عن “سأكتب قصّتكَ”. الأولى تتركُ لي مساحة واسعة للتخيّل والكذب.

  • أظن أنّني لن أقرأها يوما ما دمتِ ستكتبينها بلغتكِ.
  • وأنا أظنّ ذلكَ أيضا.

راقبتهُ من مكاني حتّى نهاية السّهرة، وكان هو بين الحين والآخر يلتفت نحوي كمن يطمئنُّ على تفصيل من تفاصيل حياة تشبهه.

سأجعلهُ في الخامسة والعشرين من عمرهِ وأتركهُ دون اسم. لا احبُّ الأسماء في قصصي.

 ولدَ ونشأ في إحدى القرى المُحاذيّة للمدينة الساحليّة. تعلّم في مدرستها وفيها أنهى دراستهُ الثانويّة. يبدو أنّه لم يكن متفوّقا في دراسته، ربّما أعلى من المتوسّط، ولكنّه يعرفُ أنّه لن يعيش حياة الشباب في قريته، لن يعمل في الزراعة أو التدريس أو سائق شاحنة. لن يكون طبيبا أيضا كما تحلم أمّه ولن ينتقل إلى العاصمة حيثُ أفضل الجامعات. حلمهُ لم يُغادر تلك الفنادق الفخمة الّتي تنتشرُ على الشاطئ، والّتي يعتاشُ منها نسبة كبيرة من أهل القُرى.

أحاول أن أجدَ له حلما يُناسبُ ملامحهُ الملحميّة، هل كان يعي تفرّده بتلك التفاصيل الرائعة؟ سأجعلهُ كذلك، ولأنّه كذلك كان لا بدّ أن يرسم حلما مختلفا، جريئا وخارجا عن العادة.

كان يعرفُ أنّ الطريقَ إلى العمل في إحدى الفنادق الفخمة التي تنتشرُ على الشاطئ ليست سهلة، خاصّة إذا كان يطمعُ في وظيفة أكبر من نادلٍ أو عامل نكرة في المطبخ. هناك حاجة للغات أجنبيّة، ومعرفة لأصول اللياقة والإتيكيت والكثير من المهارات الاجتماعيّة الّتي ستُضاف إلى ملامحهِ المُثيرة.

كيف وصل إلى العمل في الفندق؟

لماذا يجب أن تجيب القصّة عن هذا السؤال؟

ولماذا لا أكون قد تورّطت في حلمهِ وهو ما يزال هناك بعيدا يُراود الحلم عن نفسه؟

قد يكون ماسح الأحذيّة الذي لمحتهُ قبل يومين في السوق الشعبيّ يجلسُ وراء صندوق خشبيّ ملوّن كتب عليه: “الحلم يبدأ من حذاء نظيف” هو الراقص الذي تخلّى عن قصّتي في شبابهِ وظلّ يلمّعُ أحذية الحالمين.

هو أيضا كانت له ملامح سيمون بوليفار في نهاية الفيلم.

وأنا أُحاسب موظّف الاستقبال في الفندق عند مُغادرتي سلّمني رسالة صغيرة:

  • تفضّلي مدام، أحدهم ترك لك هذه الرسالة.

أحدهم؟

رسالة من جملة واحدة فقط بالإنجليزيّة:

” مَن يستطيعُ إيقاف الرّيح؟ مَن؟”

قرأت الرسالة ثمّ كتبت في أسفلها:

“لا أحد، لا أحد” وسلّمتها إلى موظّف الاستقبال.

كانت الجملة الشهيرة التي قيلت على لسان سيمون بوليفار في فيلم The Liberator.

لم أعرف أيّا منهما تسرّب إلى قصّتي الّتي لم أكتبها.

سيمون بوليفار أم شبيهه؟

ماسح الأحذية كان خارج القصّة\الحلم.