لذّة الاختفاء المُربكة – (نَثرٌ مُصاب بجذامِ الذاكرة) عمّار المأمون

|عمّار المأمون|

الصورة جزء من سلسلة صور بعنوان (العجوز يقتل المينوتور) -1976-  للمصور الأمريكي دواين مايكلز.

ثلاثُ كُؤوس وكُرة واحدة، تتحرك الكؤوس ثم تختفي الكرة، يَنكشف كأسٌ وتبقى الكُرة بين كأسين،  يَختار العابرُ الكأس الفارغة ويَنسى الجميع الكرة.

 آهات تنهمر على الكأس الفارغة..

 الكرة مازالت موجودة.

لكن،

 ثلاثة مخادعين أقنعوا حشداً بأن الكرة اختفت.

الذاكر مثل هذه الكرة، النسيان أحد تَقنيات العقل لترويض الأمل، الذاكرة لا تختفي، لكن العقل الحَشد ينتشي أكثر في الفراغات.

يُصفق الحَشد للخاسرالذي أضاع الكرة.

المُهرِج يحمل كراته ويتلاعب بها، هكذا الذاكرة في مدينة غريبة، كُرات بيد مُهرج يستعرضها طلباً للشفقة.

يتغير الترتيب، تتداخل الكرات بيد لاعب الخفة، الجمهور/العابرون يبحثون عن انهيار الذاكرة/ الكرات، لاعب الخفة يحاول الحفاظ على توازنه، الجمهور يصفق حتى لو ضاعت الكرات، أما لاعب الخفة فيعيد نحت الفراغ .

 المتفرجون يشفقون على المخادع/ المهاجر الروماني وهو يحاول أن يُخفي الكرة، المتفرجون يصفقون للاعب الخفة وهو يستعرض الهواء.

الصَرح حقيقي ولا يشبه الصور، جلود صفراء تتعرى وتصطف لالتقاط الذاكرة، التهديد بالاختفاء غول يطارد المسافرين.

بعض الأسماء لا تشبه أسماءنا.

بعض الموت لا يشبه موتنا.

أربعة فصول لا أعرف منها إلا اثنين وتقلبات لوضعيات الهواء.

بعض الشِعر مبتذل.

قالت مرّةً: “أتمنى أن أربي نهراً، سأطعمه كل يوم وأراقبه حين ينام”

نهر واحد، كنائس مشوّهة، شعراء نَسرق منهم.

ذات النهر، بناء جميل، كلام، نظرات ثابتة، كلام أيضاً.

  • قلم كي يشخط من في المخيم اسمه.
  • قلم آخر كي يشتري ورقاً ويتعلم كتابة اسمه الذي شخطه.
  • قلم آخر كي يشخط اسمه الذي تعلمه و يحاول ابتكار اسمٍ جديد.
  • قلم آخر كتب به عبارة: “النهر هنا متسخ، أنا جائع، أريد غيمة.”

أحاول مَلء المدينة بأطفالي المجهضين، أصبح أشد هزالاً، هناك من الكنائس ما يكفي كي يدخل الجميع الجنة، السماء مشرّعة للخاطئين، أنياب تداعب خاصرة الله، أجنّة بملامح واضحة،

كي تَحضر، كن طاعوناً أو طاغية، اجتح المدينة أو اختفي ككرة.

أتعلم كيف تتحرك عضلات الوجه: بكاء، ضحك، عبوس، وقاحة.

أتعلم أصوات جديدة.

أبحث في دائرة من فراغ عن نهر متدارك.

هل تريد أن ترى المزيد ؟

هل تريد أن ترى المزيد ؟

مولّد رقمي للنصوص يرسل ذات الرسالة مع صور لفتاة شبه عارية، يعيد تكرار الجملة ذاتها ويرسل ذات الصور، اعتدت عليه، آلة للشبق لا تجيد الثرثرة:

أنا: نعم.

المولّد: هذا اسمي، وهذه صورتي وأنا عاريّة.

أنا: نعم.

المولّد: هل تريد أن ترى المزيد.؟

أنا: “هل يكفي وجهي ليستثير لحمك”.

قالت : ” شفتاك كتلة من حبّ”

أُطفئّ المولّد الآلي، وأغيب في بحث عن وَجه جديد.

الممثلة الإباحيّة حاولت التعرف على خفايا الفاجعة، تريد أن تعرف كيف نموت مراراً ثم نضحك لأن طائراً التقط السمكة من الماء بمهارة.

“صمت في محاولة لتبرير التشوّه في العاطفة”

كرة الذكرة تتدحرج بين ثناياها.

الطائر ينسى ملامح السمكة، المُضحك، أن الأوجه تتلاشى لتبقى رائحة باطن الكف.

قبائل من وجع  تتغذى على الأنين وتجتاح الخاصرة.

الأوجه لا تتشابه، سِكَكُ القطار تطفوا وتخترق الذاكرة، الانتقال من مكان لآخر دون أن ترى شيئاً يجعل القَسمات اكثر تَصلباً، الزمن بدون ملامح.

أَكُتب وَجهي سِت مرات:

الأولى: “سقف لا يتسع لكلانا”

الثانية : “متحف، هرم زجاجي، أحدهم يطلق أعضاءه التناسلية للهواء، ذاكرة تُكتب الآن”

الثالثة : ” أجساد لغيلان تعانق أجساد غيلان أخرى، وحوش بأجنحة أكثر قباحة من وحوش الذاكرة”

الرابعة: ” كسّارة البندق على السرير”

الخامسة : “سكون”

السادسة : ” اِضغط هنا كي تنسى”

الأطلال، الذكريات، هي أكثر اكتمالاً ، إما أشد جمالاً أو أشد قُبحاً، لا منطقة وسطية في الذاكرة، هي إما بدون عيوب أو تكثيف لكل العيوب، أبحث عن شاعر يستعيد ذاكرة المكان بصورة محايدة، كأن يصف امرأة جميلة، ثم طعم لعاباها الذي يشبه السجائر، أبحث عن ذاكرة يمكن تداولها دون أّمل، فقط كما “هي”.

الخونة أكثر البشر شجاعة، متعة التسلل ثم التلصص ثم ابتكار المبرر للمعنى، الخيانة هي تحرر من أي سلطة، الخونة لا يكتبون الشعر، يحيونه، ثم يختفون.

أن تكون الراوي لحياتك، أي أن تترك مسافة بين الرقبة والكتف وشفتيك ثم تراقب جسدك وهو ينتفض، الراوي أكثر الأبطال تراجيديّة، هو لا يفكر فيما يكتب، بل في الكتابة فحسب، هل ما يصوغه من حقيقي، تاريخي، الراوي مؤرخ أدمن الذاكرة.

الراوي يحتفظ بكرة الذاكرة ويخادع بيديه فقط كأنه يرميها.

ثلاث عَدّاتٍ وأختفي.

“طقطقة أصابع”

اختفت الكرة.