نيويورك-نيويورك عمّار المأمون
|نيويورك- نيويورك|:
|عمّار المأمون|
|الصورة للفنان : Yoshitada Okubo|
-اعتراف-
أفقد الشعور بأي شيء، حتى ما كنت أراهن على قدرته على منحي بعض القدرة الحسيّة تعرَض للانهيار، أغرق في الشاشات من حولي، أحلم بمدينة بعديدة، و حياة أخرى مختلفة عن هذه التي أعيشها الآن.
لي حياتان..
الأولى:
أنا حبيس مكان قادر على استنزاف كل مقدرات البشر و الدواب و البهائم، محاط بالمبتذلين و الحالمين، أكثر ما يثير الحنق هم أولئك المؤمنين بالله و من يؤمنون بأقواس قزح، البعض لم يتقن بعد دروس الكراهية ،اللاجدوى بالرغم من حضورها الكثيف والملموس، يستطيع البعض تجاهلها، تتعمق حالات الفصام ليبدأ البعض بالحلم، الأحلام بحاجة لمبررات، خط صغير يجعل الحلم يختلف عن الهلوسة.
الهلوسة محكومة بالموت، الحلم محكوم بشدة الوجع…
في حياتي الأولى أستغني عن كل شيء، فقدت كل ما يمكن للإنسان الطبيعي أن يمتلكه، لكن الغريب أن لا مشكلة في ذلك، أنا قادر على التكيف و الانمساخ في حجرة صغيرة حتى إن لم تكن تحوي إضاءة أو مكان للتبول.
الثانية:
أنا في مكان مغاير تماماً ، أمارس الجري صباحاً و أضاجع فتاة جميلة دون أن أفكر بأسلوب يخفف من صوتها كي لا يسمع الجيران، هناك في تلك الحياة، سأعمل نجاراً أصنع طاولات مصقولة، و أقود شاحنة دفع رباعي و أفكر بخيانة الفتاة التي أحب مع موظفة الاستقبال في عيادة طبيب العيون .
في حياتي الثانية أحاول أن أنسى الخسارات، أنسى كل الأجساد المشوهة التي ارتَكبت جسدي و ارتكبت قبحها، احضر عرض كوميدي لأحد الممثلين على خشبة المسرح، وأفخر باني غير مصاب بالشلل الارتجافي، حياتي الثانية أكثر بياضاً من الصور الجاهزة الموجودة في الإطارات الخشبية.
– لا تكتمل الأحجية إلا حين إفلاس السماء-
أتابع الكتابة عن الكراهية، حالة الفصام التي أعيشها مقبولة، الكراهية هي ما لا استطيع احتماله، الحماقة المحيطة بي طورت أسلحتي بنبذ الآخرين، السباب ، الشتم ، إقحام الأعضاء التناسلية في أي عبارة، لا أشعر بالحزن على أي خسارة يسببها سلوكي.
أدّعي فقدان الذاكرة بوصفه حلاً لتبرير التفاهات الاجتماعية و الثرثرة الناتجة عن سوء تصرفاتي.
أتمن أن أصنع قناعاً بلون أبيض، دون أي تعبير، أمشي بين الناس أقوم بما علي القيام به للحفاظ على بقائي ثم اختفي، أتمنى لو أني بدون وجه.
– الترجمة تٌضيّع النَبر-
ليتني أتعاطف مع من يموت الآن، أنا عاجز عن توليد أي مشاعر، حتى الإهانة لا تشكل لي أي معنى، نوبات من الغضب أمر بها ، ثم ينهار ما في دماغي لاقف في عتبة فارغة أتأمل اللاشيء، حتى جسدي غير موجود، فقط نقطة صغير.
– جنين بعين واحدة-
” أنا على يقين أني هلوسة في دماغ أحد حبيسي الخنادق، أنا الصورة التي شكّلها أحد عن وجودي هذا، لا أستطيع التنفس دون أن يتحرك نبضه، أتمنى لو أنه يشاهد فيلماً رومانسياً ويحلم بوجودي في الريف الفرنسي“
– سبع أغنيات لا تكفي الرّاعي-
اسمع الثرثرة اليومية عن كل شيء، عن الطعام عن البحر و ابتذال تبادل اللعاب، عن تفاهة العلاقات الأسرية، أحلم بان أكون شاطئاً تدوسه أقدام الحوريات في الجنة، أو موجاً يلتهم الهواء دون أن يشبع، أنا على يقين بأن ما يحصل الآن هو اختبار لرجاحتي العقلية، أحاول الحفاظ قدرتي على التواصل الآخر من أجل أن أشرب المياه.
-جسد في العُلب-
الأمر أشبه بأن تشتري المعلبات، كل ما في داخلها متشابه، لا يوجد خصوصية، الأسوأ أن تكون هذه العلب لطعام الكلاب، أنت مضطر لالتهامها لأنها المتوافرة، التفاصيل الصغيرة هي القادرة فقط على تفعيل مكامن الحس، أنت لا تضاجع جسداً، أن تضاجع خيالك عن هذا الجسد، الغلَمة تنهار أمام تفصيل خاطئ، تفصيل بسيط قادر أن يدمر كل أعراسك، يكفي تشوه جلدي واحد.
-كوميديا الٌلعب الأربعة-
أكثر ما يثير الضحك هو أنه أثناء تصفحي للمواقع الإباحية هناك أعضاء ذكرية اصطناعية، تغرق الجسد الآخر بالسائل المنوي، هل من المثير أن ترغب إحداهن بالسباحة في بحر من نطاف.؟.
القضيب الاصطناعي الذي يظهر في هذه الأفلام يتجاوز كل الكوميديا المقدمة من “يوربيدس” حتى “داريو فو”.
- اعتراف أخير-
لا أمتلك انتماء لهذه المدينة أبداً، أنا أكره كل قاطنيها، كل ما يحدث بها، كل تاريخها، كراهية حقيقة لا مجرد نزق أو ملل، كراهية يعاقب عليها القانون، الفصام في داخلي يزداد، لن أستطيع توليد أي معنى في هذه المدينة، الحياة هنا أشبه بمضاجعة امرأة رائحتها نتنة تطلب منك أن تكتب الشعر على جسدها المشوّه، بعد فترة تفقد القبل طعمها ويصبح الأمر كأنك تقبل البلاستيك.
كل ما أراه أمامي قابل للانهيار.
كل ما أؤمن به قابل للتفاوت.
جسدي آخر القلاع، تتسلقه العنادل.
حتى الكراهية أصبحت مقرفة.
أتمنى لو أني نطفة مصنوعة في المختبرات تباع في العلب ليحشى بها القضيب الاصطناعي المستخدم في الأفلام الإباحية.