اعترافات القردة نص مشترك لـ(عمّار المأمون و كفاح زيني).

اعترافات القردة نص مشترك لـ(عمّار المأمون و كفاح زيني) .

|النص الأول من سلسلة الاعترافات|

 

كتلتي في هذا الكون لا تناسب حجم الملامسة، درب التبانة صامت، والواقع نفسه لا يصلح للتقمص، يداي لا يتغير طولهما، أنا غير قادر على إدراك حافة السرير حيث تخفي جوربها، كنت أعلم أنها تخاف أن أكتشف الثقب عند الإصبع اليسرى، كانت أفقر من أن تشتري جوارب، كانت أقبح من أن تسمح لي برؤية العيوب في تكوينها، سراً كنت أعلم قدرتها على تسلق الأشجار وتكسير جوز الهند، الماء في داخله لا يروي أبداً، شفتاها، أسفلت، جسدي، جثة كلب مرمية في منتصف الطريق، يلوح لها الأطفال فرحاً، انظروا هذا كلب، افرحوا، هذه جيفة، الأبيض، الأبيض، الأبيض، ليس بإمكانك أن تكون مصارعاً للثيران، أو فارساً لملكة سبأ، ستخسر رهانك على بعض الكلمات الملحمية، الأبيض ينتصر دائماً، عما قريب، ستضاجع هي ثوراً كاملاً، وأنت ستخسر ما تبقى من شعرية نسبك، الأبيض ليس سفراً للرؤيا، الأبيض هو زيادة في السوائل، وسديمٌ من بهجة الانتصاب وتلوث الحضور، سديمٌ لا يفقه اللغة أبداً.

كان بإمكاني تغيير العالم وإنقاذ فرانسوا الأول من مضاجعة امرأة في عقدها الخامس، لكنني الآن هنا أتدلى شرنقةً من كتف المجاز، الصفر لدي لم يحسم بعد، العلاقة بين البداية والنهاية لا جدوى منها. أنا حارس العبور، أنا شاهد بدون أنف أشعر بالبلاهة من رائحة مرضى الطاعون، لا أستطيع إنقاذ أي منكم، أشعر بالقرف من بثوركن التي تحاولن إخفائها، أنتن أقبح من أن أمتلك أنفاً لأجلكن، لو بإمكاني الاستغناء عن أنفي لرضيت، رأسي يتدحرج لا لأنه مقطوع، بل لأنكم تتناقلون اسمي ببلاهة، كنت اعترفت بفيض الخلق شريعةً، ولكنت اعتبرت البثورَ مجرد تحسسِ من تكاثر الصنوبر، إلا أن الأنبياء جميعاً، لم يهجروا الصحراء.

كان بإمكاني تغيير التاريخ وجعل الهجرة تمتد إلى صقلية، إلا إنني لست بطلاً، ولا أملك النبل الكافي في تقاطيع وجهي، أنا لابطل، أضاجع القردة والنساء التي ليس في قمصانها ياقات، أنا لابطل، لا أصارع التاريخ، فقط أشاهد من يمارسون الكرة الشاطئية، فوق إسفلتٍ ساخن، لا أصارع النهاية، فقط أُفرغ المجاز من سحره، وأسخر من المقصلة، يكفي  أن يضاجع أحدنا حتى ينتشي الجميع، الأمر فرض كفاية، انتشِ أنت كي ننتصب نحن، بطولاتي السرية وقدراتي على تبرير التشوهات في الجسد لا تخفي حقيقة أني إنسان أبسط من عادي، مشوه بصورة أدق، لدي مايكفي من المفرزات الجسدية لإنقاذ عائلة بسيطة في مخيم، لا داعي للتوعية عن سرطان الثدي لمن لا يمتلكون عبيد، العبيد عامل مهم في الحياة، من تجرأت على الاستغناء عن أحد أثدائها مقابل عبد، العبد تخلى عن النور، من تلك التي امتلكت الجرأة على أن تنزل وحياً، من أجل تحسس الظلام، الخيمة والقافلة والصمت والغياب، فليتحدث النور بأكمله عن العبد إذاً.

مأساتي تكمن في التفاهة، وصولي إلى اليقين، وحالتي الصفرية، وأصدقائي البدناء، ولحظة وعيي لنشوتي عند المفاصل الصدئة. أنا تافه، أنا أحقر نطفة من أبي قررت الهرب، أنا النطفة الجبانة، تلك التي رفضت المشاركة في السباق وانتظرت أن تتسلل من الباب الخلفي، أنا الناجي الوحيد من مجزرة إعمال اللحمالمضاجعة، أنا الجبان الذي نجا، أنا الذي سيكون لي اسم وستتناقل صورتي نشرات الأخبار، لن يدنسني بعد ذلك تباينٌ طفيف في الألوان بين أصابعي.

القرود تحتفل بموتها في الساحات العامة، هنا نحروا قطيعاً كاملاً من المجد، هنا بتروا أصابعهم للإمبراطور، وهنا العمامات والمدائن ومابقي من تشوه آية التين، البعض يظن أن التأويل سيجعلهم يخطَؤون الذِكر، وينفون عن النبي تهمة الشبق، لو كان هناك واحة فقط، واحة وبضع شجرات نخيل لقرر النبي ببساطة أن يرتوي، النبي جائع، الامبراطور في كل مكان، يرانا جميعاً، يجيد عد خطواتنا، يجيد ترتيل الآيات التي سنحفظها، لا لشيء خوفاً من العطش، أمشي ضائعاً والعيون تقتاتني، أصل إلى الحي الحقير لأكتشف أنه تحول إلى سوق كبير للخضار والثياب النسائية، لا يستحي من إبصارنا، من تعداد نواقصنا، الموت لكم يا مسوخ، المجد لك أيها المكتمل، أيها الإمبراطور لقد أساء القرود لي، أيها المكتمل حاولت تغيير مسار النهر، وكتابة الحِكم والشعر لك على التقاويم الميلادية والهجرية، إلا أنهم رفضوا، وطعنوا في نسبي، أيها الإمبراطور كن برداً على أعناقنا، كل النساء تشتهيك، كلهم يريدون لعق أصابعك المبهرجة بالخواتم، والتأوه من سماع شعرك الديثرمبي عن الشجاعة والرصاص، أيا إمبراطورَ إنهم قردة في كرنفالك العظيم.

لا يمكن للقردة أن تسرح في المراعي، لايمكن للقردة أن تشكل قطيعاً متجانس التشوه، القردة تحتفل، تلقي بحجر سيزيف في الهواء، تخلع ساعاتها، وتتمرد على الزمن، القردة لديها مدى كافٍ من المستقبل، لا ترتعد من الوقت، فالزمن يكبرها بخمسة أيامٍ فقط، لديها ما يكفي من المستقبل لترتاح في القبر، أنا القرد الذي نجح بإقناع الجميع بأن ما يقوله حقيقة، ببساطة لأن جسده ضعيف ومصاب بكسل مزمن في المفاصل، أصدقائي صعدوا إلى القمر، وتمكنوا من تشغيل الحواسيب، أنا ببساطة، استلقيت ورددت كلاماً، ” تعجلّوا بالركض، هلموا للطعام، أنا، سأحاول إعادة تسمية تفاهاتكم، ورجاءاً حاولو ألا تنثروا مفرزات أجسادكم حيث أنام”.

أنا مسخ وسأشي بكم جميعاً للإمبراطور أيها القردة.

“نُشر هذا النص لأول مرة في 1262014 “