أستاذ سعيد النوّام / سجاد ابن فاطمة
| سجاد ابن فاطمة| في تقاطع الطريق ألح عليه بتذلل واضح بائع “الكلينكس” أن يشتري منه علبة واحدة ليساعده على توفير لقمة العيش لعائلته التي اغترب عنها ، اشترى منه العلبة قائلا له : من العيب جدا وانت ابن الجنوب الجميل ، ابن الحضارة والشعر والغناء ان تمارس هذا التذلل في البيع ، انت تعمل فلا تخالط عملك بهذا الاستجداء ، رد عليه بائع الكلينكس بلهجة حادة بعد ان دس الألف دينار في جيبه : اولا انا لست من الجنوب ، انا من صحراء السماوة وثانيا انت لم تذق مرارة الفقر والجوع والبرد ، احسن لك ان ترفع زجاج السيارة وتحظى بالدفء . كعادته ابتسم الاستاذ سعيد مدرس التاريخ المتقاعد ، ورفع زجاج السيارة وهو يقول _ مسكين هذا الولد يحتاج الى نومة طويلة. منذ سنتين والابتسامة لا تغادر وجهه ، يبتسم للجميع حتى أولئك الذين يسيئون اليه بقصد منهم او دون قصد . يبتسم للسياسيين الذين يُصادفهم على التلفاز ، للموتى والوجوه المترفة لرجالات الدين المنتشرة صورهم في الشارع ، للفقراء والمتسولين ،لزوجته الثرثارة والغاضبة منه على الدوام خصوصا بعد ان فقد الرغبة في مشاركتها السرير . حدث هذا التغيير في سلوكه بعد شرائه كتابا شعريا من احدى المكتبات المختصة ببيع الكتب القديمة ، رغم ان الكتاب كان مهترئا ً ومنزوع الجلاد لكن لحسن حظه لا زالت الصفحة الاولى منه تحتفظ بعنوانه واسم كاتبه وهذا ما اثاره لشراءه بسعر رخيص . بعد ان قرأ الكتاب لأكثر من مرة حاول البحث عن إصدارات اخرى لنفس الشاعر ولم يجد له اثرا ً اخر ، على ما يبدو ان الشاعر امتنع ان يعلّب ذاته كبضاعة لا تنفع في كتاب ثان ٍ . تعلق الاستاذ سعيد بجملتين من الكتاب ، الاولى : ” هناك فسحة للّهوِ تتضمنها عروض البؤس في مسرح ِ الحياة وما عليك سوى إيجاد الكرسي الملائم لاثارة السخرية “ والثانية وهي الاهم بالنسبة اليه : ” وحدهم النائمون لا يخطئون أبدا “ كانت الجملة الثانية مطابقة ليقينه بان الخطأ في ادراك الحياة يُقَصِّر من عمر الانسان ، مع هذا اليقين وتلك الجملة المقتطعة من نص كتبه الشاعر عن النوم وشواهد تاريخية لشعراء ماتوا بعمر مبكّر لأنهم كانوا يعانون من الأرق المستمر أمثال لوتريامون وارثر رامبو وفرناندو بيسوا ومايكوفسكي ، كل هذا جعله على يقين ان النوم يطيل من العمر وبإمكان الانسان ان يوفّر سنوات حياته بالنوم . (لا شيء في الحياة يثير غير النوم ، ولا شيء ينفع سواه ) كانت تلك لازمته المتكررة ، ينغمها لنفسه مثل تهويدة الأطفال قبل ان ينام .… إقرأ المزيد