لا تخبر رجل القمصان / محمد رضا
| محمد رضا |
قصيدة 1:
لا تخبر الرجل البعيد في سماعة الهاتف
أنك وحيد
لا تخبر شبان الحيّ
أن لك جسدًا أيضًا
تخبئه في تربة الحدائق
لينتبه على مهل
إلى رطوبة تقيم فيه
وقسوة سوف تجيء ذات مساء
لا تخبر النهر الذي لن يتذكر اسمك
عن أسماك كثيرة تنام فيه
وتحلم ببطء
ببرودة لا عتب في تموجاتها
لا يتم في الزرقة التي تحملها إلى الضفاف
لا تخبر الأسماك عن النهر الذي سوف ينكمش غدًا
لا لأنه لم يتذكر اسمك
وملمس اقدامك وهي تدخله
من غير جهة
خائفة ومرتعشة
كمن يروي سطوح بيته بخبز قديم
ليبدد أحزانه
بزحمة مفتعلة ورفة جناح
بل لأن الود الذي تحمله تيارات النهر
لحراشف المرتحلين إليه
أكبر بكثير من موت سوف ياتي
ليقطع نزهات الاسماك واحلامها
لا تخبر رجل القمصان
أنك ما تزال تحبه
لأنك ستستيقظ كل صباح
بجسد كامل
لأنك كل صباح
ستتعلم كيف تكون رجلًا
كيف تراقب حركات الرجال في الشارع
كبف تلتفت الى اقراط كثيرة يزرعونها في اجسادهم
كيف تستقبل رجالا كثرًا في بيتك
لتطعمهم هذا اللحم الذي لا يفصح سوى عن موضع الرغبات
لا تخبر رجل القمصان
أنك ما تزال تحبه
لأن الرجل الذي فيك
سيكبر يوما بعد يوم
في النهارات القائظة
ولأنه لا قمصان ستكفي لاحقًا
لقتل نعومة تحرس نفسها على مهل
في جسد ذاك الغريب
دعه قليلا
لأنه يوما ما
سيفهم كم كان هذا اللحم طريًا
كم كانت هذه الشفاه صالحة لشهقة يحملها التقاء لسانين
كم كان هذا الجسد مفتوحا
أمام بلاهة الخجالى
وبراءة من يتدربون على العيش
لا تخبر الرجل ولا النهر ولا السمكة
أن لك رجلا غريبا ينتظرك في سماعة الهاتف
وماء ينتظر ان تعبره كي يجف
وحراشفا تخبئ نفسها من اجلك
كي تحمل موتها نحو بلاد جديدة
لا تخبر الرجل ولا النهر ولا السمكة
انك ستموت بوفرة من لا صوت لهم
مثل رجل شجاع
ظنّ يوما ما
أن الغرق في النهر
سوف يعيد إليه زرقته.
قصيدة 2:
للرّجل الّذي تحدّثه عبر الهاتف
يدان مسطّحتان
سوف تأتيان بتدرّج
بعد أن يصل الرجل كاملًا تمامًا
لا وقت للعب والمداعبات
حين يكتفي هواء الغرف البعيدة
بالعودة إلى نفسه
بعد كل محاولة خجولة للمس
*
هذه المزهريات التي تراها على منضدة الغريب
صحون البورسلان
الكرسي الوحيد في طرف الغرفة
بورتريهات تقودك إلى وحدته
المرآة التي تثبّت صورة السرير
اللوحة المائلة صوب الجدار
الراديو الذي يصدح في خلفية المشهد
نوافذ عائمة، لا تطلّ على هزالة سيقان هذا الطفل
*
للرجل الذي تحدثه في أوقات مختلفة من النهار
مجازات باهتة
مثل أسوار الحدائق العامة
والبرك المفتوحة على محاكاة الأسماك
لأفخاخها
في هدنة الغوص
*
للرجل الذي يرتدي معاطف المخمل
وأحذية إيف سان لوران
طبع حادّ
يترنّح في موجاته الصّوتيّة
ورفوف خزائنه
كي لا يغويك بجسد ناقص
*
للرجل الذي يحبّ هذا العابر
بئر عميقة
نظرة واحدة تطلّ على البعيد
حيث لا تتسع الحياة سوى للموتى
ولا يتمسّك الأحياء ببقائهم، إلاّ في الرعشة الخائفة، لأوهام سوف تأتي
بعد حين.