شباط اللبّاط / راجي بطحيش

|راجي بطحيش|

الرابع عشر من شباط 2008 

Happy valentine day- حبيبي أنا آسفة لسخافتي  الزعل ممنوع في مثل هذا اليوم

-من هذا الفالنتاين “ابن القحبة” كي يقرر لي متى ازعل ومتى أفرح …

  • -كفى بالكاد وجدت مكانا في المطعم وعلينا بلوغ الناصرة قبل التاسعة كي لا يلغى حجزنا…
  • -أصبحت تفهمين بالمطاعم والحجوزات يا بنت الحارة “العرقية”…
  • -يكفي ستكون انت والطقس علي…سأحتفل بالفالنتاين بكل ثمن …وسوف انتحر إن خربت الليلة …أشعل الراديو!!…

“بمناسبة عيد الحب فالنتاين 3 عبوات فوط صحية مع قلوب حمراء والرابع هدية.. بموجب قوانين الحملة للمشترين فوق 500 شيكل، الحملة لغاية 16.2.2008 أو حتى نفاذ المخزون”.

 “بعد اغتيال عماد مغنية حزب اللة يتوعد في مهرجان تأبيني ضخم في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت:

الحرب على إسرائيل مفتوحة!

اسرائيل ترفع حالة التأهب وتطلب من رعاياها الحيطة والحذر وعبداللة الشامي يقول ” المقاومة ستؤلم العدو انتقاما لدم الشهيد مغنية” والسيد حسن نصراللة يتوعد:

“دماء الشهيد مغنية ستؤدي الى زوال اسرائيل...”

كان عصام وايناس في طريقهما من اللد حيث قاما بإداء واجب العزاء لأقارب بعيدين- قريبين على موت ابنهم في حادث اصطدام أليم بقطار لم يبقى من جسده شيئا بالإمكان دفنه…

 وكما يحدث دائما في شهر شباط فهو يخطف أرواح الناس بالجملة دون رحمة معبئا بذلك أعمدة الكهرباء وسيقان الشجرات العملاقة بأوراق النعي البيضاء والسوداء غير مبقيا نوافذ للفرح أو النسيان…ويعزز شباط بذلك المعتقد الراسخ من زمن حوله بأنه شهر الموت والمقابر…حتى ان معظم المسنون في ديار البرتقال يتنفسون الصعداء عندما ينقضي شباط على خير ويحل الفاتح من أذار بإشراقة لا مثيل لها ولكن ذلك لا يغير شيئا من الحقيقة ان بعض هؤلاء يموتون أيضا في أذار ونيسان وحزيران الخ الخ…

كانت إيناس ترغب ان تتجاوز أو أن تتجاهل مجريات اليوم المطعم بنكهة العزاء وطقوسه لتصل في النهاية الى الوجبة الإحتفالية في المطعم النصراوي ليس لكي تتبادل الحب والرومانسية وتعزز علاقتها المتآكلة منذ زمن مع زوجها …بل لكي تحدث صديقاتها في العمل عن ما لم يكن في الإحتفال..

أما عصام فقد آثر عدم سلوك الطريق الساحلية صعودا نحو الشمال بل السفر عبر طريق رقم 6 المسمى عابر إسرائيل متجاوزا بذلك الفيضانات وزحمة السير التي تتكون في امسيات الخميس استقبالا لإجازة نهاية الأسبوع …ولكن العربة شبه المتهالكة كانت تسير في “عابر اسرائيل” وكأنها تتخبط في متاهة معتمة …فالرؤية تقارب اللاشيء وتلامسه أحيانا والمطر ينهال بخيوط يتجاوز قطرها السنتمترات  الخمسة بينما تلوّح الرياح الجانبية بالعربة يمينا – بمعنى انها قد تنزلق في الوادي وتصطدم بجدار الفصل العنصري أو تتدحرج يسارا وتصطدم مباشرة بمقدمة شاحنة وحشية والإحتمال الأخر ان لا يراه من ورائه أو هو لا يرى من أمامه فتحدث كارثة تكلل لعنة شباط بأسطورة موت جديدة…

  • سوف أنتحر إن لم نتعشى الليلة في مطعم مزين برموز عيد الحب ولونه الأحمر…
  • قد لا تضطرين الى بلوغ هذه المرحلة لأن احتمالات موتنا في هذه السيارة آخذة بالتعاظم…

” ترقب واسع في الشمال لرد حزب اللة على الإغتيال والإحتمالات مفتوحة على مصراعيها فالبلدات الشمالية مكشوفة مرة أخرى في وجه صواريخ الجنوب والمخفي أعظم”

مزارعو غزة يحتفلون بعيد الحب “الفالنتاين” بحرق مجموعة كبيرة من الورود الممنوعة التصدير بسبب الحصار الأسرائيلي “

والى الخبر الأخير : مقتل عشرة أشخاص وجرح العشرات بحوادث الطرق المتفرقة جراء ظروف الطقس القاسية في البلاد.

 

برعاية فالنتينو شيك عطر المحبين الخالد…%50 حتى ساعات الصباح الأولى…

(عيد وحب هاي الليلة الناس معيدين

يا انت وياي الليلة العيد بعيدين)

 لم يخطر ببال ايناس ان هذا اليوم الموعود والذي ترقبته طويلا سيكون هشا الى هذه الدرجة بل قابلا للكسر أيضا….فجأة ووسط هذه الحياة الرتيبة من العمل الى البيت وبالعكس ومرورا بنفس الشارع الرئيسي ذاته وإهدار الحياة كلها في الأزمات المرورية التي لا تنتهي في الشارع الوحيد ومحيطه …اصطحاب الأولاد الى “المول” والعودة من هناك …كل شيء لتمضية شيء…شيء ما …يخطر ببالها احيانا وفي احتدام الغوص في وحل الرتابة أن تسأل تلك البدينة التي تجلس على صندوق آلميني ماركت …هل أنت سعيدة؟ هيا نهرب سويةً…نترك كل شيء ونفر… لكن أين تفرين من دمامتك يا مسكينة…

فجأة ووسط كل هذا الجمود تبدو الطريق الى وجبة الفالنتاين في الناصرة قرب البيت  وكأنها مغامرة مأخوذة من فيلم هندي…عواصف ومطر وموت وحوادث وطرق خطرة وحرب وشيكة واغتيالات وتوتر ..وفناء..حتى اللد هذه لم تزرها سوى مرتين بالكاد ..أف ما هذه الكتيبة يا عذراء…

لا تتذكر ايناس متى اقترب منها عصام آخر مرة ..بمعنى متى قبلها أو عانقها أو ضاجعها أو حتى متى طلب منها أن تمصّ له أيره أو فتحته الشرجية أثناء استحمامه كما تعودا في سنواتهما الأولى معاً…لا تذكر …كما انها لا تكاد تتذكر أيضا شكل ذكره منتصبا …

وكيف تبادر هي إن هو حتى لا يقدر أهمية أو معنى عيد الحب الفالنتاين…

وكما تقول لها والدتها مشجعة” الكعيه خليه داحش وجه بطيز أمه “…حتى في إجازات الأحد لم تعد تستطع الاستفراد برجلها دون أن تقحم العجوز الشمطاء نفسها بالمعادلة…

حزب الله سيغتال شخصيات اسرائيلية رفيعة المستوى …بينما يقول وليد جنبلاط في المهرجان التأبيني بمناسبة مرور ثلاثة سنوات على اغتيال رفيق الحريري ( سوريا وإيران تمثلان عالم الشر الأسود والمعارضة تمثل الثلث الإجرامي)..بينما قال سعد الحريري في نفس المهرجان:” سورية هي منتج اسرائيلي وتوفر له الهدوء والطمأنينة ولا قيمة لعقد قمة عربية بدون رئيس لبناني بينما قال سمير جعجع في نفس المهرجان :” لا تخافوهم بالرغم من فجورهم وإجرامهم فإن كان للباطل جولة فسيكون للحق ألف جولة وجولة”

” عشرات من عرب المثلث عالقون على حاجز عناب قرب طولكرم بعد ان منعهم الجيش من العودة الى منازلهم بعد يوم من المشتريات وزيارة الأهل والأحباء في طولكرم ونابلس…”

 

حالة الطقس: عاصف وبارد ،درجات الحرارة المتوقعة لليلة : القدس 3 حيفا 6 تل ابيب 7 الناصرة 5 ايلات 8

برعاية فينوس للملابس الداخلية النسائية الراقية بقي عدد محدود من الصدريات الحمراء  الخاصة بالفالنتاين على شكل قلوب نافرة بالريش والترتر…هلموا هلموا …

 ترن ترن …تررررن ترررررن

يوجه عصام جهازه على الحاكي

  • آلو نعم
  • عصام كيفك ماما، أين أنت ؟
  • عالق يا أمي في الطريق ، إنه الطوفان بعينه…
  • اتصلت زوجة خالك من المستشفى لقد نقلوه بحالة حرجة …عبأت رئته بالماء…
  • لكنني في الطريق ،
  • سأنتظرك …عيب يا إبني هذا أخي وكبيرنا
  • انا بحاجة لأكثر من ساعة (ليتني أموت خلالها) خذي سيارة أجرة…
  • الا تخجل من نفسك كي أذهب بطولي الى المستشفيات ثم هذا واجب …وبصراحة أريد بطريق عودتنا ان نمر الى بيت منصور جيراننا القدم لنعزيهم لقد توفت والدتهم..
  • ولكنن .. ولكننا ذاهبين لمطعم لنحتفل…
  • ذاهب “لتتسمم ” انت ودبتك في مطعم وخالك يحتضر ..(وزوجة بيت المنصور …وعمدان الإنارة المليئة بأوراق النعي…والمعذبون في غزة والضفة والجنوب والعراق ودارفور والصومال …)

أشهى اكلات الكباب والعرايس وفتة الكراعين خصيصا لعيد الحب….

محطة عبرية تقتحم التوليفة المذاعة:

” ….يا أخي أنا لا أفهم…كيف نحتمل العيش في هذه الجيرة الوحشية …اغتيالات وتفجيرات وعنف …في لبنان وسوريا والعراق وغزة…نحاول إقامة جنة أوروبية إقتصادية وثقافية ولكن الظاهر أن هؤلاء لا بستوعبون منظومتنا الأخلاقية ..إنها قيم مختلفة تماما وهي متأصلة فيهم …نحن نسعى لزرع الرخاء والرقي في هذه البقعة اللعينة من العالم وهم يرسلون أطفالهم ليفجروا أنفسهم فينا وفي كل ما هو غربي وجميل…”

– هل تسمعين ما هذا؟

  • قد تكون الريح
  • لا يا حكيمة إنه “بنشر ” هذا ما ينقصني الآن…

تندفع السيارة العرجاء نحو الأطراف الغارقة بالماء…والوحشة…

  • -لا احتياطي لدى…
  • -(منهارة) ألا يكفي أنني سأخسر الفالنتاين
  • -أتمنى أن يخطفك فالنتاين إلى الأبد…أصمتي أصمتي أنت لا تفهمين شيئاً…

سقط وجه عصام باكيا على المقود كما لم تراه من قبل …

 

  • ايناس
  • ماذا؟
  • قضيبي منتصب كالحجر لا أستطيع الحراك …أنا مثار كما لم أكن منذ دهر
  • هل استطيع ملامسته أم أنه سينام مجددا
  • أرجوكي أن تنزلي ، هو مشتاق لشفتيك..أريدك

أريد  كل شيء حلماتك…كسك ..عنقك كل شيء

أريد نياكتك حتى الصباح…

أنزلت ايناس رأسها موجهة شفتاها نحو نقطة لم يكن هنالك شبيها لوضوحها من قبل..

فتح عصامُ النافذة فدخل هواء مثقل بالمطر والتراب وعبق بيت عربي مهجور بينما خرج شبح الفالنتاين فارا من فسحة النافذة أيضا نحو الغرب إلى لا عودة…

الطيف يسبح في بحيرة حزن

 والزورق يغرق في حوّامة الذاكرة…

 ثلاث عشرة سنة كانت تنتظر دقيقة كي تنتهي

من كتاب: ملح كثير ، أرض أقل- راجي بطحيش- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت\عمان- 2009.